اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ} (34)

ثم قال عزَّ وجلَّ : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } أي : أنه لم يقتصر على هذه النعم بل أعطى عباده من المنافع ما لا يأتي على بعضها التَّعداد .

ثمَّ قال { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا } قال الواحديُّ : " النِّعْمةُ ههنا أسم أقسم مقام المصدر ، يقال : أنْعَمَ اللهُ عليْهِ ينعم إنْعَاماً ، ونِعْمةً ، أقيم الاسم مقام الإنعام ، كقوله : أنْفَقتُ عليْكَ إنْفَاقاً ونَفقَةً شيئاً واحداً ، ولذلك يجمع لأنَّهُ في معنى المصدر " .

وقال غيره : " النِّعمة هنا بمعنى المُنْعَم به " .

وخُتِمَت هذه الآية ب { إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ } ونظيرها في النحل ب { إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النحل : 18 ] لأن في هذه تقدم قوله -عز وجل- : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً } [ إبراهيم : 28 ] وبعده { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } [ إبراهيم : 30 ] فجاء قوله { إِنَّ الإنسان } شاهداً بقبح من فعل ذلك فناسب ختمها بذلك .

والتي في النَّحل ذكر فيها عدة تفضيلات ، وبالغ فيها ، وذكر قوله -جلّ ذكره- { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] أي : من أوجد هذه النعم السابق ذكرها كمن لم يقدر منها على شيء ، فذكر أيضاً أن من جملة تفضلاته اتصافه بهاتين الصفتين .

وقال ابن الخطيب{[19300]} : " كأنه يقول : إذا حصلت النعم الكثيرة ؛ فأنت الذي أخذتها وأنا الذي أعطيتها ؛ فحصل لك عند أخذها وصفان : وهما : كونك ظلوماً كفاراً ، ولي وصفان عند أعطائها وهما : كوني غفوراً رحيماً ، فكأنه -تعالى- يقول : إن كنت ظلوماً فأنا غفورٌ ، وإن كنت كفاراً فأنا رحيم ، أعلم عجزك ، وقصورك ، فلا أقابل جفاك إلا بالوفاء " .


[19300]:ينظر: الفخر الرازي 19/103.