اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ قَبِيلًا} (92)

90

قرأ العامة " تُسْقِطَ " بإسناد الفعل للمخاطب ، و " السَّماء " مفعول بها ، ومجاهد{[3]} على إسناده إلى " السَّماء " فرفعها به .

وقرأ{[4]} نافع ، و ابن عامرٍ ، وعاصم " كِسَفاً " هنا ، بفتح السِّين ، وفعل ذلك حفصٌ في الشعراء [ الآية : 187 ] وفي سبأ [ الآية : 9 ] ، والباقون يسكنونها في المواضع الثلاثة ، وقرأ ابن ذكوان بسكونها في الروم{[5]} [ الآية : 48 ] ؛ بلا خلافٍ ، وهشام عنه الوجهان ، والباقون بفتحها .

فمن فتح السين ، جعله جمع كسفةٍ ؛ نحو : قِطعَةٍ وقِطَع ، وكِسْرةٍ وكِسرٍ ، ومن سكَّن ، جعله جمع كسفة أيضاً على حدِّ : سِدْرةٍ وسِدْرٍ ، وقِمْحَةٍ وقِمَحٍ .

وجوَّز أبو البقاء{[6]} فيه وجهين آخرين :

أحدهما : أنه جمعٌ على " فَعَلٍ " بفتح العين ، وإنما سكِّن تخفيفاً ، وهذا لا يجوز ؛ لأنَّ الفتحة خفيفة يحتملها حرف العلة ، حيث يقدر فيه غيرها ، فكيف بالحرف الصحيح ؟ .

قال : والثاني : أنه " فَعْلٌ " بمعنى " مَفْعُولٍ " ؛ ك " الطحْن " بمعنى " مَطْحُون " ؛ فصار في السكون ثلاثة أوجهٍ .

وأصل الكسفِ : القطع ، يقال : كسَفْتُ الثَّوبَ قطعته ؛ وفي الحديث في قصَّة سليمان مع الصَّافناتِ الجياد : أنه " كَسَفَ عَراقِيبهَا " ، أي : قطعها .

فصل في معنى الكسف

قال اللَّيثُ : الكسف : قطع العرقوب ، قال الفرَّاء : وسمعتُ أعرابيًّا يقول لبزَّاز : أعطني كسفةً ، وقال الزجاج{[7]} : " كَسفَ الشيء بمعنى غَطَّاهُ " ، قيل : ولا يعرفُ هذا لغيره .

وانتصابه على الحال في القراءتين فإن جعلناه جمعاً ، كان على حذفِ مضاف ، أي : ذات كسفٍ ، وإن جعلناه " فِعْلاً " بمعنى " مَفعُول " لم يحتج إلى تقدير ، وحينئذ : فإن قيل لِمَ لمْ يُؤنَّث ؟ فالجواب : لأنَّ تأنيثه أعني : السَّماء غير حقيقيٍّ ، أو بأنها في معنى السَّقف .

قوله : " كَمَا زعَمْتَ " : نعت لمصدر محذوف ، أي : إسقاطاً مثل مزعومك ؛ كذا قدَّره أبو البقاء{[8]} .

فصل في المراد بالآية

قال عكرمة : { كَمَا زَعَمْتَ } ، يا محمد : أنَّك نبيٌّ ، " فأسْقِط " السماء علينا كسفاً .

وقيل : كما زعمت أن ربَّك إن شاء فعل ، وقيل : المراد قوله : { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } [ الإسراء : 68 ] .

فقيل : اجعل السَّماء قطعاً متفرقة ؛ كالحاصب ، وأسقطها علينا .

قوله : { أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً } .

القَبِيلُ : بمعنى : المقابل ؛ كالعشير ، بمعنى : المُعاشِر .

وقال ابن عباس{[9]} : فوجاً بعد فوجٍ . وقال الليث : كلُّ جندٍ من الجنِّ والإنسِ قبيلٌ ، وقيل : كفيلاً ، أي ضامناً .

قال الزجاج : يقال : قبلتُ به أقبل ؛ كما يقال : كفلت به أكفل ، وعلى هذا : فهو واحدٌ أريد به الجمعُ ؛ كقوله : { وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً } [ النساء : 69 ] ، وقال أبو عليِّ : معناه المعاينة ؛ كقوله تعالى : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة أَوْ نرى رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] .

قوله : " قَبِيلاً " [ حالٌ من " الله ، والمَلائِكَةِ " أو من أحدهما ، والآخر محذوفة حاله ، أي : بالله قبيلاً ، والملائكة قبيلاً ؛ ] كقوله : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . كُنْتُ مِنهُ ووالِدي *** بَرِيئاً . . . . . . . . . . . . . . . {[10]}

وكقوله : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** فَإنِّي وقيَّارٌ بِهَا لغَرِيبُ{[11]}

ذكره الزمخشريُّ ، هذا إذا جعلنا " قَبِيلاً " بمعنى كفيلاً ، أي : " ضَامِناً " أو بمعنى " معاينة " كما قاله الفارسي ، وإن جعلناه بمعنى " جَماعَة " كان حالاً من " المَلائِكَة " .

وقرأ الأعرج{[12]} " قِبَلاً " من المقابلة .


[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[4]:أخرجه البخاري (4/301)، كتاب: فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر رقم (2015)، ومسلم (2/822)، كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها... رقم (205- 1165).
[5]:تقدم.
[6]:سقط من: ب.
[7]:تقدم.
[8]:ينظر: تفسير القرطبي (20/93).
[9]:سقط من: ب.
[10]:الجامع لأحكام القرآن 20/91.
[11]:سقط في ب.
[12]:سقط في ب.