قرأ العامة " تُسْقِطَ " بإسناد الفعل للمخاطب ، و " السَّماء " مفعول بها ، ومجاهد{[3]} على إسناده إلى " السَّماء " فرفعها به .
وقرأ{[4]} نافع ، و ابن عامرٍ ، وعاصم " كِسَفاً " هنا ، بفتح السِّين ، وفعل ذلك حفصٌ في الشعراء [ الآية : 187 ] وفي سبأ [ الآية : 9 ] ، والباقون يسكنونها في المواضع الثلاثة ، وقرأ ابن ذكوان بسكونها في الروم{[5]} [ الآية : 48 ] ؛ بلا خلافٍ ، وهشام عنه الوجهان ، والباقون بفتحها .
فمن فتح السين ، جعله جمع كسفةٍ ؛ نحو : قِطعَةٍ وقِطَع ، وكِسْرةٍ وكِسرٍ ، ومن سكَّن ، جعله جمع كسفة أيضاً على حدِّ : سِدْرةٍ وسِدْرٍ ، وقِمْحَةٍ وقِمَحٍ .
وجوَّز أبو البقاء{[6]} فيه وجهين آخرين :
أحدهما : أنه جمعٌ على " فَعَلٍ " بفتح العين ، وإنما سكِّن تخفيفاً ، وهذا لا يجوز ؛ لأنَّ الفتحة خفيفة يحتملها حرف العلة ، حيث يقدر فيه غيرها ، فكيف بالحرف الصحيح ؟ .
قال : والثاني : أنه " فَعْلٌ " بمعنى " مَفْعُولٍ " ؛ ك " الطحْن " بمعنى " مَطْحُون " ؛ فصار في السكون ثلاثة أوجهٍ .
وأصل الكسفِ : القطع ، يقال : كسَفْتُ الثَّوبَ قطعته ؛ وفي الحديث في قصَّة سليمان مع الصَّافناتِ الجياد : أنه " كَسَفَ عَراقِيبهَا " ، أي : قطعها .
قال اللَّيثُ : الكسف : قطع العرقوب ، قال الفرَّاء : وسمعتُ أعرابيًّا يقول لبزَّاز : أعطني كسفةً ، وقال الزجاج{[7]} : " كَسفَ الشيء بمعنى غَطَّاهُ " ، قيل : ولا يعرفُ هذا لغيره .
وانتصابه على الحال في القراءتين فإن جعلناه جمعاً ، كان على حذفِ مضاف ، أي : ذات كسفٍ ، وإن جعلناه " فِعْلاً " بمعنى " مَفعُول " لم يحتج إلى تقدير ، وحينئذ : فإن قيل لِمَ لمْ يُؤنَّث ؟ فالجواب : لأنَّ تأنيثه أعني : السَّماء غير حقيقيٍّ ، أو بأنها في معنى السَّقف .
قوله : " كَمَا زعَمْتَ " : نعت لمصدر محذوف ، أي : إسقاطاً مثل مزعومك ؛ كذا قدَّره أبو البقاء{[8]} .
قال عكرمة : { كَمَا زَعَمْتَ } ، يا محمد : أنَّك نبيٌّ ، " فأسْقِط " السماء علينا كسفاً .
وقيل : كما زعمت أن ربَّك إن شاء فعل ، وقيل : المراد قوله : { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } [ الإسراء : 68 ] .
فقيل : اجعل السَّماء قطعاً متفرقة ؛ كالحاصب ، وأسقطها علينا .
قوله : { أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً } .
القَبِيلُ : بمعنى : المقابل ؛ كالعشير ، بمعنى : المُعاشِر .
وقال ابن عباس{[9]} : فوجاً بعد فوجٍ . وقال الليث : كلُّ جندٍ من الجنِّ والإنسِ قبيلٌ ، وقيل : كفيلاً ، أي ضامناً .
قال الزجاج : يقال : قبلتُ به أقبل ؛ كما يقال : كفلت به أكفل ، وعلى هذا : فهو واحدٌ أريد به الجمعُ ؛ كقوله : { وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً } [ النساء : 69 ] ، وقال أبو عليِّ : معناه المعاينة ؛ كقوله تعالى : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة أَوْ نرى رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] .
قوله : " قَبِيلاً " [ حالٌ من " الله ، والمَلائِكَةِ " أو من أحدهما ، والآخر محذوفة حاله ، أي : بالله قبيلاً ، والملائكة قبيلاً ؛ ] كقوله : [ الطويل ]
. . . . . . . . . . . . . كُنْتُ مِنهُ ووالِدي *** بَرِيئاً . . . . . . . . . . . . . . . {[10]}
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** فَإنِّي وقيَّارٌ بِهَا لغَرِيبُ{[11]}
ذكره الزمخشريُّ ، هذا إذا جعلنا " قَبِيلاً " بمعنى كفيلاً ، أي : " ضَامِناً " أو بمعنى " معاينة " كما قاله الفارسي ، وإن جعلناه بمعنى " جَماعَة " كان حالاً من " المَلائِكَة " .
وقرأ الأعرج{[12]} " قِبَلاً " من المقابلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.