اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (277)

اعلم أنَّ من عادته تعالى في القرآن الكريم مهما ذكر وعيداً ، ذكر بعده وعداً فلما بلغ هاهنا في وعيد المرابي ، أتبعه بهذا الوعد ، وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية .

واحتجّ من قال بأن العمل الصالح خارجٌ عن مسمى الإيمان بهذه الآية ، فإنه عطف عمل الصالحات على الإيمان ؛ والمعطوف يغاير المعطوف عليه .

وأجيب عنه بأنه قال : { وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ } ولا نزاع في أن إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، داخلان تحت عمل الصالحات ، فكذا ما ذكرتُم ، وأيضاً قال تبارك وتعالى : { الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ } [ النحل :88 ] وقال : { وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [ البقرة :39 ] ويمكن أن يجاب بأن الأصل حمل كل لفظةٍ على فائدةٍ جديدة ، تُرِكَ العملُ به عند التَّعذُّر ، فيبقى في غير موضع التعذر على الأصل .

فإن قيل إنَّ الإنسان إذا بلغ عارفاً بالله تعالى وقبل وجوب الصلاة والزكاة عليه ، ثم مات ، فهو من أهل الثواب بالاتفاق ، فدلَّ على أن استحقاق الثواب لا يتوقَّف على حصول العمل .

وأيضاً فقد يثيب الله تعالى المؤمن الفاسق الخالي عن جميع الأعمال ، وإذا كان كذلك فكيف وقف الله هاهنا حصول الأجر على حصول العمل ؟

فالجواب : أنه تبارك وتعالى إنما ذكر هذه الخصال ؛ لا لأجل أنَّ استحقاق الثواب مشروطٌ بهذا ، بل لأجل أنَّ لكل واحد منهما أثراً في جلب الثواب ، كما قال في ضدِّ هذا { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهَا آخَرَ } [ الفرقان :68 ] ثم قال : { وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [ الفرقان :68 ] ومعلومٌ أنَّ من ادعى مع الله إلهاً آخر لا يحتاج في استحقاقه العذاب إلى عمل آخر ، وإنما جمع اللهُ الزِّنا ، وقتل النَّفس ، مع دعاء غير الله إلهاً ، لبيان أنَّ كل واحد من هذه الخصال يوجب العقوبة .