فإن قيل : كيف أمر بالمحاربة مع المسلمين ؟
قلنا : هذه اللفظة قد تطلق على من عصى الله غير مستحل كما جاء في الخبر " مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً ، فَقَدْ بَارَزَنِي بالمُحَارَبَةِ " ، وعن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ لم يَدَع المخابرة ، فليأذَن بحرب من اللهِ ورسُوله " وقد جعل كثيرٌ من المفسرين والفقهاء قوله : { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ } [ المائدة :33 ] أصلاً في قطع الطريق من المسلمين ، فثبت أن ذكر هذا النوع من التهديد مع المسلمين وارد في كتاب وسنة رسوله .
الأول : أن المراد المبالغة في التهديد دون نفس الحرب .
الثاني : أن المراد منه نفس الحرب ، وفيه تفصيلٌ ؛ فنقول : إنّ المصرَّ على فعل الربا ، إذا كان من شخص ، وقدر الإمام عليه قبض عليه وأجرى فيه حكم الله من التَّعزير ، والحبس إلى أن تظهر منه التوبة ، وإن كان المصر ممن له عسكرٌ وشوكة ، حاربه الإمام ، كما يحارب الفئة الباغية ، وكما حارب أبو بكرٍ - رضي الله عنه - مانعي الزكاة ، وكذا القول لو اجتمعوا على ترك الأذان ، وترك دفن الموتى ، فإنه يفعل بهم ما ذكرناه .
وقال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - من عامل بالربا ، يستتاب ، فإن تاب ، وإلاَّ ضرب عنقه{[4748]} .
والقول الثاني : أنه خطابٌ للكفار ، وأن معنى قوله : { إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي : معترفين بتحريم الربا { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } أي : فإن لم تكونوا معترفين بتحريمه { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ } ومن ذهب إلى هذا القول ، قال : إنَّ فيه دليلاً على أنَّ من كفر بشريعة واحدةٍ من شرائع الإسلام ، فهو خارجٌ من ملة الإسلام ، كافرٌ كما لو كفر بجميع شرائعه .
قوله : { وَإِنْ تُبْتُمْ } فالمعنى على القول الأول : وإن تبتم عن معاملة الربا ، وعلى الثاني : من استحلال الربا { فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } أي : لا تظلمون الغريم بطلب الزيادة على رأس المال { وَلاَ تُظْلَمُونَ } أي : بنقصان رأس المال .
قوله : { لاَ تَظْلِمُونَ } فيها وجهان :
أظهرهما : أنها لا محلَّ لها ؛ لاستئنافها ، أخبرهم تعالى بذلك ، أي : لا تظلمون غيركم بأخذكم الزيادة منه ، ولا تظلمون أنتم - أيضاً - بضياع رؤوس أموالكم .
والثاني : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من الضمير في " لَكُمْ " والعامل ما تضمَّنه الجارُّ من الاستقرار ؛ لوقوعه خبراً وهو رأي الأخفش .
وقرأ الجمهور الأول مبنيّاً للفاعل ، والثاني مبنياً للمفعول . وروى أبانٌ{[4749]} ، والمفضَّل ، عن عاصم بالعكس . ورجَّح الفارسي{[4750]} قراءة العامة ؛ بأنها تناسب قوله : " وإن تُبْتُمْ " في إسناد الفعلين إلى الفاعل ، فتظلمون مبنياً للفاعل أشكل بما قبله . وقال أبو البقاء{[4751]} رحمه الله : يُقْرَأُ بتسميةِ الفَاعِلِ في الأوَّلِ ، وترْكِ التسمية في الثاني ؛ ووجهه : أنَّ منعهم من الظلم أهمُّ ؛ فبدئ به ، ويقرأ بالعكس ، والوجه فيه : أنه قدَّم ما تطمئن به نفوسهم من نفي الظلم عنهم ، ثم منعهم من الظلم ، ويجوز أن تكون القراءتان بمعنى واحدٍ ؛ لأنَّ الواو لا ترتِّب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.