اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَوۡ يَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمۡ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (39)

قوله : «لو يعلم » جوابها مقدر ، لأنه أبلغ في الوعيد{[28456]} فقدره الزمخشري : لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكن جهلهم هو الذي هونه عندهم{[28457]} وقدره ابن عطية : لما استعجلوا{[28458]} . وقدره الحوفي : لسارعوا{[28459]} . وقدره غيره : لعلموا صحة البعث{[28460]} . وقال البغوي : لما أقاموا على كفرهم ، ولما استعجلوا بقولهم { متى هذا الوعد }{[28461]} .

و «حين » مفعول به لعلموا ، و{[28462]} ليس منصوباً على الظرف ، أي : لو يعلمون وقت عدم كف النار{[28463]} . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون «يعلم » متروكاً بلا تعدية بمعنى : لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين ، و «حين » منصوب بمضمر أي حين { لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار } يعلمون أنهم كانوا على الباطل{[28464]} . وعلى هذا ف «حين » منصوب على الظرف ، لأنه جعل مفعول العلم أنهم كانوا .

وقال أبو حيان : والظاهر أن مفعول ( يَعْلَمُ ) محذوف لدلالة ما قبله ، أي : لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعد الذي سألوا عنه واستبطأوه ، و » حِينَ «منصوب بالمفعول الذي هوة مجيء ، ويجوز أن يكون من باب الإعمال على حذف مضاف ، وأعمل الثاني{[28465]} ، والمعنى : لو يعلمون مباشرة النار حيت لا يكفونها عن وجوههم{[28466]} .

فصل{[28467]}

ثم إنه تعالى ذكر في رفع هذا الحزن عن قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهين : الأول : أنه بيَّن ما لصاحب هذا الاستهزاء من العقاب الشديد فقال { لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي : لو يعلمون الوقت الذي يسألون عنه بقولهم «مَتَى هَذَا الوَعْدُ » وهو وقت صعب شديد تحيط بهم فيه النار من قدّام ومن خلف ، فلا يقدرون على دفعها عن أنفسهم ، ولا يجدون ناصراً ينصرهم كقوله : { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَآءَنَا }{[28468]} . وإنما خص الوجوه والظهور ، لأن مس العذاب لها أعظم موقعاً .

قال بعضهم : { وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ } السياط . قوله «بَغْتَةٌ » نصب على الحال ، أي : مباغتة{[28469]} . والضمير في «تأتيهم » يعود على النار{[28470]} ، وقيل : على الحين ، لأنه في معنى الساعة . وقيل : على الساعة التي تضطرهم فيها إلى العذاب{[28471]} . وقيل : على الوعد ، لأنه في معنى النار التي وعدوها قاله الزمخشري{[28472]} . وفيه تكلّف{[28473]} . وقرأ الأعمش : «بَلْ يَأتِيهِمْ » بياء الغيبة «بَغْتَةٌ » بفتح الغين «فَيَبْهَتَهُمْ » بالياء أيضاً{[28474]} . فأما الياء فأعاد الضمير على الحين أو على الوعد{[28475]} ، وقيل : على «النَّار » وإنما ذكر ضميرها ، لأنها في معنى العذاب ، ثم راعى لفظ «النَّارِ » «فأنث في قوله : «رَدَّهَا{[28476]} » .


[28456]:انظر البحر المحيط 6/313.
[28457]:الكشاف 3/12.
[28458]:تفسير ابن عطية 10/153.
[28459]:البحر المحيط 6/313.
[28460]:المرجع السابق.
[28461]:البغوي 5/488.
[28462]:في الأصل: أو. وهو تحريف.
[28463]:انظر الكشاف 3/12.
[28464]:الكشاف 3/12.
[28465]:على مذهب البصريين.
[28466]:البحر المحيط 6/313.
[28467]:فصل: سقط من ب. وهذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/172-173.
[28468]:[غافر: 29].
[28469]:أي على التأويل بالمشتق لأن (بغتة) مصدر، وذلك على مذهب البصريين.
[28470]:واستظهره أبو حيان. البحر المحيط 6/314.
[28471]:انظر البحر المحيط 6/314.
[28472]:انظر الكشاف 3/12.
[28473]:من جهة تأويل "الوعد" بمعنى النار، فعوده إلى "النار" من غير تأويل أولى.
[28474]:المختصر: (91)، والكشاف 3/12، والبحر المحيط 6/314.
[28475]:في الأصل: الوقت، وهو تحريف. وانظر الكشاف 3/12.
[28476]:قاله أبو الفضل الرازي. انظر البحر المحيط 6/314.