اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلۡوَحۡيِۚ وَلَا يَسۡمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ} (45)

قوله : { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بالوحي } أي : أخوفكم بالقرآن وقوله : «وَلا يَسْمَعُ » قرأ ابن عامر هنا «وَلاَ تُسْمِعُ » بضم التاء للخطاب وكسر الميم ، «الصُّمَّ الدُّعَاءَ » منصوبين . وقرأ ابن كثير في النمل{[28529]} والروم{[28530]} . وقرأ باقي السبعة بفتح ياء الغيبة والميم «الصُّمُّ » بالرفع «الدُّعَاءَ » بالنصب في جميع القرآن{[28531]} .

وقرأ الحسن كقراءة ابن عامر إلا أنه بياء الغيبة{[28532]} . وروى عنه{[28533]} ابن خالويه «وَلاَ يُسْمَعُ » بياء الغيبة مبنياً للمفعول «الصُّمُّ »{[28534]} رفعاً «الدُّعَاءَ » نصباً{[28535]} .

وروي عن أبي{[28536]} عمرو بن العلاء «وَلاَ يُسْمِعُ » بضم الياء من تحت وكسر الميم «الصُّمَّ »{[28537]} نصباً «الدُّعَاءُ » رفعاً{[28538]} .

فأما قراءة ابن عامر وابن كثير فالفاعل فيها ضمير المخاطب ، وهو الرسول -عليه السلام-{[28539]} . فانتصب «الصُّمَّ »{[28540]} و «الدُّعَاءَ » على المفعولين ، وأولهما هو الفاعل المعنوي{[28541]} . وأما قراءة الجماعة فالفعل مسند للصّمّ فانتصب «الدُّعَاءَ » مفعولاً به{[28542]} . وأما قراءة الحسن الأولى فأسند الفعل فيها إلى ضمير الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي كقراءة ابن عامر في المعنى . وأما قراءته الثانية فأسند الفعل فيها إلى «الصُّم »{[28543]} قائماً مقام الفاعل ، فانتصب الثاني وهو «الدُّعَاءَ » وأما قراءة أي عمرو فإنه أسند الفعل فيها إلى الدعاء على سبيل الاتساع وحذف المفعول الثاني للعلم به ، والتقدير : ولا يسمع الدعاء الصم شيئاً البتة{[28544]} ولما وصل أبو البقاء إلى هنا قال : «وَلاَ يَسْمَعُ » فيه قراءات وجوهها ظاهرة{[28545]} ولم يذكرها . و «إذَا » في ناصبه وجهان :

أحدهما : أنه «يَسْمَعُ » .

والثاني : أنه «الدّعاء » فأعمل المصدر المعرف ب ( أل ){[28546]} وإذا{[28547]} أعملوه في المفعول الصريح ففي الظرف أولى{[28548]} .

قال الزمخشري : فإن قلت : الصم{[28549]} لا يسمعون دعاء المبشّر كما لا يسمعون دعاء المنذر ، فكيف قيل : { إِذَا مَا يُنذَرُونَ } ؟ قلت : اللاّم في «الصُّم » عائدة إلى هؤلاء المنذرين كائنة للعهد لا للجنس ، والأصل : ولا يسمعون إذا ما ينذرون ، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامّهم وسدهم أسماعهم{[28550]} إذا أنذروا ، أي أنتم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة على التصامّ عن{[28551]} الإنذار والآيات{[28552]} .


[28529]:وهو قوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولّوا مدبرين} [النمل: 80].
[28530]:وهو قوله تعالى: {فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} [الروم: 52].
[28531]:السبعة (429)، الكشف 2/110-111، النشر 2/323-324، الإتحاف (310). وقراءة ابن كثير لآيتي النمل والروم {ولا يسمع} بالياء المفتوحة {الصّم} رفعا، وباقي السبعة {ولا تسمع} بضم التاء {الصّم} نصبا، وروى عباس عن أبي عمرو {ولا يسمع الصم} مثل ابن كثير. السبعة (486،508) الكشف 2/165.
[28532]:انظر البحر المحيط 6/315.
[28533]:في الأصل: عن.
[28534]:في ب: الضم. وهو تحريف.
[28535]:المختصر (91).
[28536]:في الأصل: ابن. وهو تحريف.
[28537]:وهو قوله تعالى: {فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} [الروم: 52].
[28538]:البحر المحيط 6/315-316.
[28539]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[28540]:في ب: الضم. وهو تحريف.
[28541]:لأنه جعل الفعل رباعيا من "أسمع" فتعدى إلى مفعولين والفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأنه لما أضيف الفعل إليه في "أنذركم" أضيف إليه في "تسمع". انظر الكشف 2/110-111، البحر المحيط 6/315.
[28542]:أضافوا الفعل إلى الصم فارتفعوا بفعلهم، لأنه نفى السمع عنهم، وتعدى الفعل إلى مفعول وهو "الدعاء" لأنه ثلاثي. انظر الكشف 2/111.
[28543]:في الأصل: الضم. وهو تحريف.
[28544]:انظر البحر المحيط 6/316.
[28545]:التبيان 2/919.
[28546]:المرجع السابق.
[28547]:في ب: وإذ.
[28548]:وإعمال المصدر المعرف بـ (أل) أجازه سيبويه وبعض البصريين. انظر شرح الأشموني 2/284-285.
[28549]:في ب: الضم. وهو تحريف.
[28550]:في ب: سماعهم.
[28551]:في الأصل: على.
[28552]:الكشاف 3/13.