اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا مِنۡ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (22)

قوله : «كُلَّمَا أَرَادُوا » . «كُلّ » نصب على الظرف ، وتقدم الكلام في تحقيقها في البقرة{[30630]} ، والعامل فيها هنا قوله : «أُعِيدُوا »{[30631]} . و «مِنْ غَمٍّ » فيه وجهان :

أظهرهما : أنه بدل من الضمير في «منها »{[30632]} بإعادة العمل بدل اشتمال{[30633]} كقوله : { لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ{[30634]} } [ الزخرف : 33 ] ، ولكن لا بد في بدل الاشتمال من رابط ، فقالوا : هو مقدر تقديره : من غمها {[30635]} .

والثاني : أنه مفعول له{[30636]} ، ولما نقص شرط من شروط النصب جر بحرف السبب{[30637]} . وذلك الشرط هو عدم اتحاد الفاعل ، فإن فاعل الخروج غير فاعل الغم ، فإن الغم من النار والخروج من الكفار{[30638]} . واعلم{[30639]} أن الإعادة لا تكون إلا بعد الخروج ، والمعنى : كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم فخرجوا أعيدوا فيها . ومعنى الخروج ما يروى عن الحسن : أن النار تضربهم بلهبها فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضُرِبُوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً {[30640]} .

قوله : «وَذُوقُوا » منصوب بقول مقدر معطوف على «أُعِيدُوا » أي : وقيل لهم : { ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق }{[30641]} ، أي : المُحْرِق مثل الأليم والوجيع . قال الزجاج : هو لأحد الخصمين ، وقال في الخصم الآخر وهم المؤمنون : { إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار{[30642]} } .


[30630]:عند قوله تعالى: {يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20].
[30631]:انظر التبيان 2/937.
[30632]:في النسختين: فيها. والصواب ما أثبته.
[30633]:انظر البيان 2/172، التبيان 2/937، البحر المحيط 6/360.
[30634]:[الزخرف: 33]. والاستدلال بالآية على أن قوله: "لبيوتهم" بدل من "لمن" بإعادة الجار، وهو بدل اشتمال البيان 2/353.
[30635]:انظر البحر المحيط 6/360.
[30636]:انظر التبيان 2/937، البحر المحيط 6/360.
[30637]:في ب: النسب. وهو تحريف.
[30638]:ذكرنا شروط المفعول له عند قوله تعالى: {إلا تذكرة لمن يخشى} [طه: 3].
[30639]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/23.
[30640]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/23.
[30641]:انظر البيان 2/172، التبيان 2/937.
[30642]:معاني القرآن وإعرابه 3/419.