الشبهة الرابعة : قولهم : { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } أي : جنون ، وهذه الشبهة من باب الترويج على العوام{[32554]} ، لأنه - عليه السلام{[32555]} - كان يفعل أفعالاً على خلاف عاداتهم ، فكان الرؤساء يقولون للعوام إنه مجنون ، فكيف يجوز أن يكون رسولاً{[32556]} ؟
الشبهة الخامسة : قولهم : { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حتى حِينٍ } ، وهذا يحتمل أن يكون متعلقاً بما قبله ، أي : أنه مجنون فاصبروا إلى زمان يظهر عاقبة أمره فإن أفاق وإلا فاقتلوه .
ويحتمل أن يكون كلاماً مستأنفاً ، وهو أن يقولوا لقومهم : اصبروا فإنه إنه كان نبياً حقاً فالله ينصره ويقوي{[32557]} أمره فنتبعه حينئذ ، وإن كان كاذباً فالله يخذله ويبطل أمره فحينئذ نستريح منه{[32558]} . واعلم أنه تعالى لم يذكر{[32559]} الجواب على{[32560]} هذه الشبه{[32561]} لركاكتها ووضح فسادها لأنَّ كل عاقل يعلم أنَّ الرسول لا يصير رسولاً لكونه من جنس الملك وإنما يصير رسولاً بتميزه عن غيره بالمعجزات ، فسواء كان من جنس الملك أو من جنس البشر فعند{[32562]} ظهور{[32563]} المعجز عليه يجب أن يكون رسولاً ، بل جعل الرسول من البشر أولى لما تقدم من أن الجنسية مظنة الألفة والمؤانسة . وأما قولهم : { يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } فإن أرادوا إرادته لإظهار فضله حتى يلزمهم الانقياد لطاعته فهذا واجب في الرسول ، وإن أرادوا أنه يترفع عليهم على سبيل التكبر فالأنبياء منزهون عن ذلك . وأما قولهم : { مَّا سَمِعْنَا بهذا } فهو استدلال بعدم التقليد ( على عدم وجود الشيء ، وهو في غاية السقوط ، لأنّ وجود التقليد ){[32564]} لا يدل على وجود الشيء ، فعدمه من أين يدل على عدمه . وأما قولهم : «بِهِ جِنَّة » فكذبوا لأنهم كانوا يعلمون بالضرورة كمال عقله . وأما قولهم : «فَتَرَبَّصُوا » فضعيف ، لأنه إن ظهرت{[32565]} الدلالة على نبوته ، وهي المعجزة ، وجب عليهم قبول قوله في الحال ، ولا يجوز توقيف ذلك إلى ظهور دولته ، لأنَّ الدولة لا تدل على الحقيقة ، وإن لم يظهر المعجز لم يجز قبول قوله سواء ظهرت الدولة أو لم تظهر{[32566]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.