اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا رَجُلُۢ بِهِۦ جِنَّةٞ فَتَرَبَّصُواْ بِهِۦ حَتَّىٰ حِينٖ} (25)

الشبهة الرابعة : قولهم : { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } أي : جنون ، وهذه الشبهة من باب الترويج على العوام{[32554]} ، لأنه - عليه السلام{[32555]} - كان يفعل أفعالاً على خلاف عاداتهم ، فكان الرؤساء يقولون للعوام إنه مجنون ، فكيف يجوز أن يكون رسولاً{[32556]} ؟

الشبهة الخامسة : قولهم : { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حتى حِينٍ } ، وهذا يحتمل أن يكون متعلقاً بما قبله ، أي : أنه مجنون فاصبروا إلى زمان يظهر عاقبة أمره فإن أفاق وإلا فاقتلوه .

ويحتمل أن يكون كلاماً مستأنفاً ، وهو أن يقولوا لقومهم : اصبروا فإنه إنه كان نبياً حقاً فالله ينصره ويقوي{[32557]} أمره فنتبعه حينئذ ، وإن كان كاذباً فالله يخذله ويبطل أمره فحينئذ نستريح منه{[32558]} . واعلم أنه تعالى لم يذكر{[32559]} الجواب على{[32560]} هذه الشبه{[32561]} لركاكتها ووضح فسادها لأنَّ كل عاقل يعلم أنَّ الرسول لا يصير رسولاً لكونه من جنس الملك وإنما يصير رسولاً بتميزه عن غيره بالمعجزات ، فسواء كان من جنس الملك أو من جنس البشر فعند{[32562]} ظهور{[32563]} المعجز عليه يجب أن يكون رسولاً ، بل جعل الرسول من البشر أولى لما تقدم من أن الجنسية مظنة الألفة والمؤانسة . وأما قولهم : { يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } فإن أرادوا إرادته لإظهار فضله حتى يلزمهم الانقياد لطاعته فهذا واجب في الرسول ، وإن أرادوا أنه يترفع عليهم على سبيل التكبر فالأنبياء منزهون عن ذلك . وأما قولهم : { مَّا سَمِعْنَا بهذا } فهو استدلال بعدم التقليد ( على عدم وجود الشيء ، وهو في غاية السقوط ، لأنّ وجود التقليد ){[32564]} لا يدل على وجود الشيء ، فعدمه من أين يدل على عدمه . وأما قولهم : «بِهِ جِنَّة » فكذبوا لأنهم كانوا يعلمون بالضرورة كمال عقله . وأما قولهم : «فَتَرَبَّصُوا » فضعيف ، لأنه إن ظهرت{[32565]} الدلالة على نبوته ، وهي المعجزة ، وجب عليهم قبول قوله في الحال ، ولا يجوز توقيف ذلك إلى ظهور دولته ، لأنَّ الدولة لا تدل على الحقيقة ، وإن لم يظهر المعجز لم يجز قبول قوله سواء ظهرت الدولة أو لم تظهر{[32566]} .


[32554]:في ب: العام. وهو تحريف.
[32555]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[32556]:انظر الفخر الرازي 23/93.
[32557]:في ب: وقوى. وهو تحريف.
[32558]:انظر الفخر الرازي 23/93.
[32559]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/93 – 94.
[32560]:في ب: عن.
[32561]:في ب: الشبهة. وهو تحريف.
[32562]:في ب: فقد. وهو تحريف.
[32563]:في النسختين: ظهر. والصواب ما أثبته.
[32564]:ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
[32565]:في ب: ظهر.
[32566]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/93 – 94.