اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيۡكُمۡ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ مَّا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (24)

ثم إنه تعالى حكى عنهم شبههم في إنكار نبوة نوح - عليه السلام{[32541]} - : وهي قولهم : { مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } وهذه الشبهة تحتمل وجهين :

أحدهما : أن يقال : إنه لمّا كان سائر الناس في القوة والفهم والعلم والغنى والفقر والصحة والمرض سواء امتنع كونه رسولاً لله ، لأنّ الرسول لا بُدّ وأن يكون معظماً عند الله وحبيباً له{[32542]} ، والحبيب لا بد وأن يختص عن غير الحبيب بمزيد الدرجة والعزة ، فلما انْتَفَتْ هذه الأشياء علمنا انتفاء الرسالة .

والثاني : أن يقال : إن هذه الإنسان مشارك لكم في جميع الأمور ، ولكنه أحب الرياسة{[32543]} والمتبوعية فلم يجد إليهما{[32544]} سبيلاً إلا بادعاء النبوة ، فصار ذلك شُبهة لهم في القدح في نبوته ، ويؤكد هذا الاحتمال قولهم : { يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي : يطلب الفضل{[32545]} عليكم ويرأسكم {[32546]} .

الشبهة الثانية : قولهم : { وَلَوْ شَاءَ الله لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } أي : ولو شاء الله أن لا يتعبد سواه لأنزل ملائكة بإبلاغ الوحي ، لأنّ بعثة الملائكة أشد إفضاء إلى المقصود من بعثة البشر ، لأن الملائكة لعلو شأنهم وشدة سطوتهم ، وكثرة علومهم ينقاد الخلق إليهم ، ولا يشكون في رسالتهم فلمّا لم يفعل ذلك عَلِمنا أنه ما أرسل رسولاً {[32547]} .

الشبهة الثالثة : قولهم : { مَّا سَمِعْنَا بهذا في آبَائِنَا الأولين } فقولهم : «بِهَذا » إشارة إلى نوح - عليه السلام{[32548]} - أي : بإرسال{[32549]} بشر رسولاً ، أو بهذا الذي يدعو إليه نوح وهو عبادة الله وحده ، لأنّ آباءهم كانوا يعبدون الأوثان ، وذلك أنهم كانوا لا يُعوّلون في شيء من مذاهبهم إلا على التقليد والرجوع إلى قول{[32550]} الآباء ، فلمّا لم يجدوا في نبوة نوح - عليه السلام{[32551]} - هذه الطريقة حكموا{[32552]} بفسادها{[32553]} .


[32541]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[32542]:في ب: حبيبا.
[32543]:في ب: الرسالة. وهو تحريف.
[32544]:في الأصل: لها. وفي ب: إليها. والصواب ما أثبته.
[32545]:في ب: الفصلى. وهو تحريف.
[32546]:انظر الفخر الرازي 23/92 – 93.
[32547]:انظر الفخر الرازي 23/92.
[32548]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[32549]:في ب: إرسال.
[32550]:قول: سقط من الأصل.
[32551]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[32552]:في ب: حكموها. وهو تحريف.
[32553]:انظر الفخر الرازي 23/93.