اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

قوله : «إِذَا رَأَتْهُمْ » هذه الجملة الشرطية في موضع نصب صفة ل «سَعِيراً »{[35450]} ، لأنه مؤنث بمعنى النار .

قوله : { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } فإن قيل : التَّغَيُّظُ لا يُسمع . فالجواب من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه على حذف مضاف ، أي : صوت تغيظها{[35451]} .

والثاني : أنه على حذف تقديره : سمعوا ورأوا تغيظاً وزفيراً ، فيرجع كل واحد إلى ما يليق به ، أي : رأوا تغيظاً وسمعوا زفيراً{[35452]} .

والثالث{[35453]} : أن يضمن «سَمِعُوا » معنى يشمل الشيئين ، أي : أدركوا لها تغيظاً وزفيرا{[35454]} .

وهذان الوجهان الأخيران منقولان من قوله :

وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ في الوَغَى *** مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحَا{[35455]}

ومن قوله :

عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً بَارداً{[35456]}

أي : ومعتقلاً رمحاً ، وسقيتها ماء ، أو{[35457]} يُضَمَّن ( مُتَقَلِّداً ) معنى متسلحاً ، و ( علفتها ) معنى أطعمتها{[35458]} تبناً{[35459]} وماءً{[35460]} بارداً .

فصل

معنى { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } . قال الكلبي والسديّ من مسيرة عام . وقيل : من مسيرة مائة سنة{[35461]} . روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «مَنْ كَذَب علَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأ بَيْنَ عَيْنَي جهنمَ مَقْعَدا » قالوا : وهل لها من عينين ؟ قال : نعم ألم تسمع قول الله - عزَّ وجلَّ - { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }{[35462]} .

وقيل : إذا رأتهم زبانيتها{[35463]} . قال الجبائي : إن الله تعالى ذكر النار وأراد الخزنة الموكلين بتعذيب أهل النار ، لأن الرؤية تصح منهم ولا تصح من النار ، فهو كقوله «وَاسْأَلِ القَرْيَةَ »{[35464]} وأراد أهلها{[35465]} .


[35450]:في الآية التي تسبقها: (11). انظر التبيان 2/981.
[35451]:انظر البيان 2/202.
[35452]:في ب: وزفيرا سمعوا.
[35453]:في ب: الثاني. وهو تحريف.
[35454]:انظر الوجهين في البحر المحيط 6/485.
[35455]:من مجزوء الكامل، قاله عبد الله بن الزبعرى، شرح المفصل 2/50، البحر المحيط 6/485، وروي: يا ليت زوجك قد غدا. وروي أيضا: يا ليت بعللك في الوغى. وقد تقدم.
[35456]:رجز قاله ذو الرمة، وبعده: حتى شتت همالة عيناها *** ... وتقدم تخريجه في سورة الحج.
[35457]:في ب: و.
[35458]:في ب: وأطعمتها.
[35459]:تبنا: سقط من ب.
[35460]:في ب: ماء.
[35461]:انظر البغوي 6/161.
[35462]:أخرجه الطبري في تفسيره 18/140 وانظر البغوي 6/161. والدر المنثور 5/64.
[35463]:انظر البغوي 6/161.
[35464]:من قوله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون} [يوسف: 82].
[35465]:انظر الفخر الرازي 24/56.