اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدۡ جَآءُو ظُلۡمٗا وَزُورٗا} (4)

قوله تعالى : { وَقَالَ الذين كفروا إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ افتراه } الآية . لما تكلم أولاً في التوحيد وثانياً في الرد على عبدة الأوثان ، تكلم ههنا في مسألة النبوة ، وحكى شبه الكفار في إنكار نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - . فالشبهة الأولى : قوله : { وَقَالَ الذين كفروا إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ افتراه وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } .

قال{[35325]} الكلبي ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث هو الذي قال هذا القول { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } يعني : عامر مولى حويطب بن عبد العزى ، ويسار غلام عامر بن الحضرمي ، وجبير مولى عامر ، هؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب ، وكانوا يقرؤون التوراة ، فلما أسلموا ، وكان النبي يتعهدهم ، فمن أجل ذلك قال النضر ما قال{[35326]} . وقال الحسن : عبيد بن الحصر{[35327]} الحبشيّ الكاهن{[35328]} . وقيل : جبر ويسار وعداء عبيد كانوا بمكة من أهل الكتاب ، فزعم المشركون أن محمداً يأخذ منهم{[35329]} .

قوله : «افتراه » الهاء تعود على «إفك » وقال أبو البقاء : الهاء تعود على «عبده » في أول السورة{[35330]} . قال شهاب الدين{[35331]} : ولا أظنه إلا غلطاً وكأنه أراد أن يقول الضمير المرفوع في «افتراه » فغلط{[35332]} .

قوله «ظلماً » فيه أوجه :

أحدها : أنه مفعول به ، لأن جاء يتعدى بنفسه ( وكذلك أتى ){[35333]} {[35334]} .

والثاني : أنه على إسقاط الخافض ، أي : جاءوا بظلم . قاله الزجاج {[35335]} .

الثالث : أنه في موضع الحال{[35336]} ، فيجيء فيه ما في قولك : جاء زيد عدلاً{[35337]} .

قال الزمخشري : { فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً } أي : أتوا{[35338]} ظلماً وكذباً كقوله{[35339]} : { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً }{[35340]} [ مريم : 89 ] فانتصب بوقوع المجيء{[35341]} . أما كونه «ظلماً » فلأنهم نسبوا هذا الفعل{[35342]} القبيح إلى من كان مبرأ عنه ، فقد وضعوا الشيء في غير موضعه ، وذلك هو الظلم . وأما كونه «زوراً » فلأنهم كذبوا ، قال أبو مسلم : الظلم تكذيبهم الرسول{[35343]} .


[35325]:في ب: وقال.
[35326]:انظر الفخر الرازي 24/50.
[35327]:كذا في البغوي، وفي الأصل: الحضرمي وفي ب: الحضرمي في.
[35328]:انظر البغوي 6/157.
[35329]:المرجع السابق.
[35330]:التبيان 2/980.
[35331]:في الأصل: قاله. وهو تحريف.
[35332]:الدر المصون 5/136. وفي ب: فغلط افتراه واختلقه والافتراء افتعال من فريت يقال: فريت الأديم.
[35333]:حكاه أبو حيان عن الكسائي. البحر المحيط 6/481، وانظر أيضا الكشاف 3/88، والتبيان 2/980.
[35334]:ما بين القوسين في ب: ولذلك أتى به.
[35335]:معاني القرآن وإعرابه 4/58، وانظر أيضا الكشاف 3/188.
[35336]:انظر التبيان 2/980.
[35337]:أي أنه مصدر في موضع الحال مؤول بالمشتق والتقدير: جاؤوا ظالمين، أو على حذف مضاف أي: ذوي ظلم، هذا مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أنه مفعول مطلق للفعل السابق عليه، وقيل: لفعل مقدر من لفظه، والتقدير: جاؤوا يظلمون ظلما.
[35338]:في النسختين: كفروا. والتصويب من الفخر الرازي.
[35339]:في ب: لقوله.
[35340]:[مريم: 89]. والاستشهاد بالآية على أن مصدر منصوب بالفعل السابق وليس حالا.
[35341]:لم أجده في الكشاف، وهو موجود في الفخر الرازي، وقد نسبه ابن الخطيب إلى الكسائي. انظر الفخر الرازي 24/50. وكان الأولى في هذه العبارة أن تكون بعد الوجه الأول؛ لأنها تدل على أن الفعل تعدى إلى المصدر فنصبه.
[35342]:في ب: للفعل. وهو تحريف.
[35343]:انظر الفخر الرازي 24/50.