اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا} (3)

قوله تعالى{[35297]} : { واتخذوا } يجوز أن يعود الضمير على الكفار الذين تضمنهم لفظ العالمين{[35298]} ، وأن يعود على من ادَّعى لله{[35299]} شريكاً وولداً ، لدلالة{[35300]} قوله : { وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ }{[35301]} [ الفرقان : 2 ] وأن يعود على المنذرين ، لدلالة «نذيراً » عليهم{[35302]} .

قوله : «لا يَخْلُقُونَ » صفة ل «آلهة »{[35303]} ، وغلب العقلاء على غيرهم ؛ لأن الكفار كانوا يعبدون العقلاء كعزير والمسيح والملائكة وغيرهم كالكواكب والأصنام . ومعنى «لا يخلقون » لا يقدرون على التقدير ، والخلق يوصف به العباد قال زهير :

ولأنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْت وبع *** ضُ القَوم يخلُق ثم لا يَفْرِي{[35304]}

ويقال : خلقت الأديم : أي : قدرته ، وهذا إذا أريد بالخلق التقدير ، فإن أريد به الإيجاد فلا يوصف به غير الباري - تعالى - وقد تقدم{[35305]} .

وقيل : بمعنى يختلقون كقوله : «وتَخْلُقُون إفْكاً »{[35306]} .

فصل

لما وصف نفسه بصفات الجلال والعزة والعلو أردفه بتزييف مذهب عبدة الأوثان من وجوه : منها : أنها ليست خالقة للأشياء ، والإله يجب أن يكون قادراً على الخلق والإيجاد ومنها : أنها مخلوقة ، والمخلوق محتاج ، والإله يجب أن يكون غنياً . ومنها{[35307]} : أنها لا تملك لأنفسها ضراً ولا نفعاً ، ومن كان كذلك لا يملك موتاً ولا حياةً ولا نُشُوراً . أي : لا يقدر على الإحياء والإماتة لا في زمن التكليف ، ولا في زمن المجازاة ، ومن كان كذلك كيف يسمى إلهاً ، وكيف يستحق العبادة{[35308]} ؟ .

فصل

احتج أهل السنة بقوله : «ولا يَخْلُقُونَ شَيْئاً » على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى لأنه عاب هؤلاء الكفار من حيث عبدوا ما لا يَخْلُق شيئاً ، وذلك يدل على أن من خلق يستحق أن يعبد ، فلو كان العبد خالقاً لكان معبوداً إلهاً . وأجاب الكعبي بأنا لا نطلق{[35309]} اسم الخالق إلا على الله تعالى ، ( وقال بعض أصحابنا في الخلق : إنه الإحداث لا بعلاج وفكر وتعب ولا يكون ذلك إلا لله تعالى .

ثم قال : قد قال الله تعالى{[35310]} : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا } [ الأعراف : 195 ] في وصف الأصنام ، أفيدل ذلك على أن كل من له رجل{[35311]} يستحق أن يعبد . فإذا قالوا : لا . قيل : فكذلك ما ذكرتم ، وقد قال الله تعالى : { فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين } [ المؤمنون : 14 ] هذا كله كلام الكعبي .

والجواب : قوله : لا نطلق{[35312]} اسم الخالق على العبد . قلنا : بل يجب{[35313]} ذلك ، لأن الخلق في اللغة هو التقدير ، والتقدير يرجع إلى الظن والحسبان ، فوجب أن يكون اسم الخالق حقيقة في العبد مجازاً{[35314]} في الله ، فكيف يمكنهم منع{[35315]} إطلاق لفظ الخالق على العبد ؟ . وأما قوله تعالى : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا } [ الأعراف : 195 ] فالعيب إنما وقع عليهم ، فلا جرم أن من تحقق العجز في حقه من{[35316]} بعض الوجوه لم يحسن عبادته . وأما قوله : { فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين } [ المؤمنون : 14 ] فتقدم الكلام عليه{[35317]} . واعلم أن في استدلال أهل السنة بالآية{[35318]} نظر ، لاحتمال{[35319]} أن الغيب{[35320]} إنما حصل بمجموع الأمرين ، وهو كونهم ليسوا بخالقين ، وكونهم مخلوقون ، والعبد وإن كان خالقاً إلا أنه مخلوق ، فلا{[35321]} يلزم أن يكون العبد إلهاً معبوداً{[35322]} .

فصل

دلَّت الآية على البعث ، لأنه تعالى ذكر النشور ، ومعناه : أن المعبود يجب أن يكون قادراً على إيصال الثواب إلى المطيعين ، والعقاب إلى العصاة ، فمن لا يكون كذلك يجب أن لا{[35323]} يصلح للإلهية{[35324]} .


[35297]:تعالى: سقط من ب.
[35298]:حكاه أبو حيان عن الكرماني. البحر المحيط 6/481.
[35299]:لله: سقط من ب.
[35300]:في ب: لدلالة لأن.
[35301]:قال أبو حيان: (الضمير في "واتخذوا" عائد على ما يفهم من السياق، لأن في قوله: {ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك} دلالة على ذلك). البحر المحيط: 6/481.
[35302]:انظر البحر المحيط 6/481.
[35303]:في ب: لإله.
[35304]:البيت من بحر الكامل. قاله زهير ابن أبي سلمى، والشاهد فيه قوله: "خلقت" فإنه بمعنى قدرته.
[35305]:في سورة المؤمنون.
[35306]:من قوله تعالى: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا} [العنكبوت: 17].
[35307]:في ب: منها.
[35308]:انظر الفخر الرازي 24/48.
[35309]:في ب: بأنه لا يطلق.
[35310]:ما بين القوسين من ب.
[35311]:في ب: أرجل.
[35312]:في ب: لا يطلق.
[35313]:في ب: قلنا فوجب.
[35314]:في ب: مجاز. وهو تحريف.
[35315]:في ب: مع. وهو تحريف.
[35316]:في ب: أما من.
[35317]:في سورة المؤمنون.
[35318]:بالآية: سقط من الأصل.
[35319]:في ب: لأن احتمال.
[35320]:في ب: الغيب. وهو تصحيف.
[35321]:في ب: ولا.
[35322]:انظر الفخر الرازي 24/ 48 – 49.
[35323]:في ب: أن لا يكون.
[35324]:انظر الفخر الرازي 24/49.