اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَأُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمۡ وَٰحِدٞ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (46)

قوله تعالى : { وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ } أي لا تخاصموهم{[41559]} إلا بالتي هي أحسن أي بالدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه ، وأراد من قبل الجزية منهم لما بين طريقة إرشاد المشركين بين طريقة إرشاد أهل الكتاب .

قوله : { إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ } استثناء متصل ، وفيه مَعْنَيَانِ .

أحدهما : إلا الظلمة فلا تجادلوهم ألبتة بل جاهدوهم بالسيف حتى يسلموا أو يُعْطُوا الجزية{[41560]} .

ومجاز الآية : إلا الذين ظلموكم لأن جميعهم ظالم بالكفر .

والثاني : جادلوهم بغير التي هي أحسن أي أغلظوا لهم كما أغلظوا عليكم ، قال سعيد بن جبير : أهل الحرب ، ومن لا عهد له{[41561]} ، وقال قتادة ومقاتل : نُسِخَتْ بقولِهِ : { قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله }{[41562]} ، وقرأ بن عباس{[41563]} «أَلاَ » حرف تنبيه أي فجادلوهم .

قوله : { وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } وهذا تبيين لمجادلتهم{[41564]} بالتي هي أحسن يريد إذا أخبركم واحدٌ منهم ممن قبل الجزية بشيء مما في كتبهم{[41565]} فلا تجادلوهم عليه ولا تصدقوهم ولا تكذبوهم { وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ، روى أبو هريرة قال : «كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعِبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا . . . الآية »{[41566]} وروى معمر{[41567]} عن الزهري أن أبا نملة الأنصاري{[41568]} أخبره أنه بينما{[41569]} هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل من اليهود ومرّ بجنازة فقال : يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( الله ){[41570]} أعلم فقال اليهودي : إنها تتكلم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما حدثكم أهل الكتاب فلا تُصَدِّقُوهُم ولا تكذِّبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان باطلاً لم تصدقوه وإن كان حقاً لم تكذبوه »{[41571]} .


[41559]:في "ب" تخاصموا.
[41560]:في "ب" بالسيف إن أبوا أن يعطوا الجزية ونصبوا الحرب فجادلوهم بالسيف الخ.
[41561]:القرطبي 13/351.
[41562]:[التوبة: 29]، وانظر في الاستثناء المفصل الذي في هذه الآية، التبيان 1034 والدر المصون 4/307.
[41563]:انظر: البحر المحيط 7/155.
[41564]:في "ب" لمجادلتهم.
[41565]:في "ب" ما في كتبهم.
[41566]:الحديث في القرطبي 13/351، فتح القدير 4/206، والدر المنثور 6/469.
[41567]:معمر بن راشد الأزدي مولاهم عبد السلام بن عبد القدوس أبو عروة البصري أحد الأعلام عن الزهري وقتادة وعنه أيوب والثوري وابن المبارك، مات سنة 153 هـ، انظر: خلاصة الكمال 384.
[41568]:أبو نملة الأنصاري: عمار بن معاذ بن زرارة بن عمرو بن الأوس الأنصاري شاهد أحداً مع النبي- صلى الله عليه وسلم- والمشاهد كلها وقتل له ابنان يوم الحرّة، انظر: أسد الغابة 5/313 و 314.
[41569]:في "ب" بينا.
[41570]:ساقط من "ب".
[41571]:الدر المنثور 6/469.