اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (30)

قوله تعالى : { يا نساء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ . . . } الآية العامة على «يأت » بالياء من تحت حملاً على لفظ «مَنْ » لأن «مَنْ » أداة تقوم مقام الاسم يعبر به عن الواحد والجمع ( و ) المذكر والمؤنث ، وزيدُ بن علي ، والجَحْدَريُّ ، ويعقوب بالتاء{[43452]} من فوق حملاً على معناها لأنه يرشح بقوله : «منْكُنَّ »{[43453]} حال من فاعل «يأْتِ » وتقدم القراءة في «مبينة »{[43454]} بالنسبة لكسر الياء وفتحها ، في النساء .

قوله : «يضاعف » قرأ عمرو «يُضَعَّف »{[43455]} - بالياء من تحت وتشديد العين مفتوحة على البناء للمفعول - العذابُ بالرفع لقيامة مقام الفاعل ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «يُضَعِّف{[43456]} » - بنون العظمة وتشديد العين مكسورة على البناء للفاعل - العَذَابَ بالنصب على المفعول به وقرأ الباقون «يُضَاعَف » من المفاعلة مبنياً للمفعول العذابُ بالرفع لقيامه مقام الفاعل ( وقد{[43457]} ) تقدم توجيه التضعيف والمضاعفة في سورة البقرة{[43458]} .

فصل :

قال ابن عباس المراد هنا بالفاحشة النشوز وسوء{[43459]} الخلق ، وقيل : هو كقوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] . واعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم{[43460]} - لما خير نساءه واخترن الله ورسوله أدبهن الله وهددهن بالتوقي عما يسوء النبي ويقبح بهن من الفاحشة التي هي أصعب على الزوج من كل ما يأتي به زوجته وأوعدهن بتضعيف العذاب وفيه حكمتان{[43461]} .

إحداهما{[43462]} : أن زوجة الغير تعذب على الزنا بسبب ما في الزنا من المفاسد وزوجة النبي تعذب إن أتت به لذلك لإيذاء قلبه والإزراء بمَنْصِبِه وعلى هذا بنات النبي عليه{[43463]} السلام كذلك ولأن امرأة لو كانت تحت النبي عليه السلام وأتت بفاحشة تكون قد اختارت غير النبي على النبي ويكون ذلك الغير خيراً عندها من النبي وأولى والنبي أولى من النفس التي هي أولى من الغير فقد نزلت منصب النبي مرتبتين فتعذب من العذاب ضعفين .

وثانيهما : أن هذا إشارة إلى شرفهن ، لأن الحرة عذابها ضعف عذاب الأمة إظهاراً لشرفها ونسبة النبي إلى غيره من الرجال نسبة السادات إلى العبيد لكونه أولى بهم من أنفسهم فكذلك زوجاته اللائي هن أمهات المؤمنين ، وأم الشخص امرأة حاكمة عليه واجبة الطاعة وزوجته مأمورة محكومة له وتحت طاعته فصارت زوجة الغير بالنسبة إلى زوجة النبي عليه السلام كالأَمَةِ{[43464]} بالنسبة إلى الحرة ، واعلم أن قول القائل من يفعل ذلك في قوة قوله : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } من حيث إن ذلك ممكن الوقوع في أول النظر ولا يقع في بعض الصور جزماً وفي بعض ( يقعُ ){[43465]} جزماً ، وفي البعض يتردد السامع في الأمرين ، فقوله تعالى : { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ } من القبيل الأولى فإن الأنبياء صان الله زوجاتهم عن الفاحشة ثم قال : { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيراً } أي ليس كونكن تحت النبي عليه السلام وكونكنّ شريفات جليلات مما يدفع العذاب عنكن فليس أمر الله كأمر الخلق حيث يتعذر عليهم تعذيب الأعزة بسبب كثرة أوليائهم وأعوانهم وشفعائهم وإخوانهم .


[43452]:ذكرها في البحر 7/228 وفي المحتسب 2/179 وهي من القراءات الشاذة.
[43453]:حكاه السمين في الدر 4/382.
[43454]:يقصد الآية 19 من سورة النساء وهي قوله تعالى: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}.
[43455]:معاني الفراء 2/341 والسبعة 521، وإبراز المعاني 648.
[43456]:المراجع السابقة وانظر في توجيه هذه القراءات الكشف لمكي 2/196 والحجة "لابن خالويه" 389 كما قرر هو أعلى في النص.
[43457]:ساقط من "ب".
[43458]:يشير إلى قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له...} وهي الآية 245 وقرر هناك أن التضعيف والمضاعفة بمعنى واحد. وقيل: إن المضعف للتكثير وقيل: لما جعل مثلين أما المضاعفة- بصيغة المفاعلة- لما زيد عليه أكثر من ذلك، اللباب 1/617.
[43459]:ذكره ابن الجوزي في زاد المسير 6/378.
[43460]:هذا كله قول الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير 25/207.
[43461]:في "ب" حكمان.
[43462]:في "ب" أحدهما موافقة "لحكمان".
[43463]:في "ب" صلى الله عليه وسلم.
[43464]:في "ب" كالابنة بالنسبة على الجدة وهو خلاف ما في تفسير الرازي.
[43465]:سقط من "ب".