اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

قوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } نزلت الآية في زينبَ بنت جحش الأسدية{[43569]} ، وأخيها عبد الله بن جحش . وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى زيداً في الجاهلية بعُكَاظَ ، فأعتقه وتبناه ، فلما خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه فلما علمت أنه يخطبها لزيد أبت وقالت : أنا ابنة عمتك{[43570]} يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي وكانت بيضاءَ جميلةً فيها حدة ، وكذلك كره أخوها ذلك فأنزل الله{[43571]} عز وجل : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة } يعني عبد الله بن جحش وأخته زينب { إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً } ( أي أراد الله ورسوله{[43572]} أمراً ) وهو نكاح زيدٍ لزينبَ { أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ } . والخيرة الاختيار أي يريد غير ما أراد الله ، ويمتنع مما أمر الله ورسوله .

قوله : { أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة } «أن يكون » هو اسم كان ، والخبر الجار متقدم{[43573]} وقوله : { إِذَا قَضَى الله } يجوز أن يكون محْض ظرف معموله الاستقرار الذي تعلق به الخبر ، أي وما كان مستقراً لمؤمن ولا مؤمنةٍ وقت قضاء الله كَوْنُ خيرة ، وأن تكون شرطية ويكون جوابها مقدراً مدلولاً عليه بالنفي{[43574]} المتقدم . وقرأ الكوفيون وهِشَامٌ «يكون » - بالياء من أسفل ؛ لأن «الخِيرَةَ » مجازيُّ التأنيث ، وللفصل أيضاً ، والباقون بالتاء من فوق مراعاةً للفظها{[43575]} ، وقد تقدم أن «الخِيَرَةَ » مصدر «تَخَيَّرَ » «كالطِّيرِةِ » من «تَطَيَّرَ »{[43576]} ، ونقل عيسى بن سُلَيْمَانَ{[43577]} أنه قرئ الخِيرَة - بسكون الياء{[43578]} - و «مِنْ أَمْرِهِمْ » حال من الخيرة ، وقيل : «من » بمعنى «في » وجمع الضمير في «أمرهم » وما بعده لأن المراد بالمؤمن والمؤمنة الجنس . وغلب المذكر على المؤنث{[43579]} ، وقال الزمخشري : «كان من حق الضمير أن يُوَحَّدَ كما تقول : مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ وَلا امْرَأَةٍ إلاَّ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ كَذَا »{[43580]} قال أبو حيان : «وليس بصحيح ؛ لأن العطف بالواو ، فلا يجوز ذلك إلا بتأويل الحذف »{[43581]} .

قوله : { وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً } أخْطَأَ خَطَأً ظَاهِراً . فلما سمعا ذلك رضيا بذلك وسلما وجعلت أمرها بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وكذلك أخوها فأنكحها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زيداً فدخل بها . وساق رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إليها عَشْرَةَ دَنَانِيرٍ وستِّينَ دِرْهَماً وخِماراً ودِرْعاً وَإِزَاراً وملْحَفَةً وخَمْسِينَ مُدّاً مِن الطَّعَامِ وثلاثينَ صاعاً من تَمْرٍ{[43582]} .


[43569]:انظر: أسباب النزول في القرطبي 14/186 وزاد المسير 6/385 وتفسير الخازن 4/261 والبغوي 4/261 والطبري 22/9 وفتح القدير للشوكاني 4/283 وابن كثير 3/489، والكشاف 3/261 وأسباب النزول للسيوطي 139.
[43570]:في "ب" أنا ابن عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
[43571]:انظر: المراجع السابقة.
[43572]:ما بين القوسين ساقط من "ب".
[43573]:قاله السمين في الدر 4/388.
[43574]:المرجع السابق.
[43575]:ذكره في الحجة لابن خالويه 290 كما ذكره ابن الجوزي في النشر 2/350 وانظر الإتحاف 355 والسبعة 522 وقد نقل القرطبي اختيار أبي عبيد لقراءة الكوفيين قال: "قرأ الكوفيون بالياء وهو اختيار أبي عبيد لأنه قد فرق بين المؤنث وفعله". انظر: الجامع 14/187.
[43576]:يشير إلى الآية 68 من القصص: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة} وقال هناك: إن الخيرة كالطيرة من التطير فيستعملونه استعمال المصدر انظر: اللباب 6/332.
[43577]:هو عيسى بن سليمان أبو موسى الحجازي المعروف بالشيزري الحنفي مقرئ عالم نحويّ معروف أخذ القراءة عرضاً وسماعاً عن الكسائي وروى الفقه عن أحد أصحاب أبي حنيفة والحروف عن نافع وجعفر وشيبة انظر: غاية النهاية 1/609.
[43578]:من القراءة الشاذة غير المتواترة مختصر ابن خالويه 119 وهي قراءة ابن السميقع. القرطبي 14/187.
[43579]:السمين قرره في إعرابه 4/388.
[43580]:قاله في الكشاف 3/262.
[43581]:قاله في البحر المحيط 7/234.
[43582]:قاله الإمام البغوي في تفسيره المسمى بمعالم التنزيل 5/261 وانظر كذلك الخازن 5/261.