قوله : { يا نساء النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النساء } قال الزمخشري : «أحد » في الأصل{[43479]} يعني وَحَد وهو الواحد ، ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث ، والواحد وما وراءه ، والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء ( أي ){[43480]} إذا تَقَصَّيْتَ{[43481]} جماعات النساء{[43482]} واحدةً واحدةً لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة . ومنه قوله عز وجل : { والذين آمَنُوا بالله وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } [ النساء : 152 ] يريد بين جماعة واحدة منهم تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق البين{[43483]} . قال أبو حيان أما قوله : «أحَد » في الأصل بمعنى «وحد » وهو الواحد فصحيح{[43484]} ، وأما قوله : وضع إلى قوله وما وراءه . فليس بصحيح ، لأن الذي يستعمل في النفي العام مدلوله غير مدلول واحد لأن «واحد » ينطلق{[43485]} على شيء اتصف بالوحدة «وأَحَداً » المستعمل في النفي العام مختص{[43486]} بمن يعقل ، وذكر النحويون أن مادَّته همزةٌ وحاءٌ ودالٌ ومادة «أحد » بمعنى واحد واو وحاء ودال فقد اختلفا مادة ومدلولاً ، وأما قوله : «لَسْتُنَّ كجماعة واحدة » فقد قلنا إن معناه ليست كل واحدة منكن فهو حكم على كل واحدة لا على المجموع من حيث هو مجموع ، وأما { وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } فيحتمل أن يكون الذي يستعمل في النفي العام ؛ ولذلك جاء في سياق النفي فعم وصلحت التثنية للعموم ، ويحتمل أن يكون «أحدٌ » بمعنى «واحد » وحذفَ معطوفٌ ، أي بين أحدٍ وأحدٍ{[43487]} ( كما قال{[43488]} : )
4086 - فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْر لَوْ جَاءَ سَالِماً *** أبُو حَجَرٍ إِلا لَيَالٍ قَلاَئِلُ{[43489]}
أي بين الخير وبيني انتهى ، قال شهاب الدين «أما قوله فإنهما مختلفان مدلولاً ومادة فمسَلَّم ، ولكن الزمخشري لم يجعل أحداً الذي أصله واحد - بمعنى أحد المختص بالنفي ، ولا يمنع أن «أحداً » الذي أصله «واحد » أن يقع في سياق النفي ، وإنما الفارق بينهما أن الذي همزته أصل لا يستعمل إلا في النفي كأخواته في غريب{[43490]} ، وكَيْتَع ودَابِر{[43491]} ، وتامر{[43492]} ، والذي أصله واحد يجوز أن يستعمل إثباتاً ونفياً وأيضاً المختص بالنفي مختص بالعقلاء ، وهذا لا يختص ، وأما معنى النفي فإنه ظاهر على ما قاله الزمخشري من الحكم على المجموع ولكن المعنى على ما قاله أبو حيان أوضح وإن كان خلاف الظاهر »{[43493]} .
قوله : «إن اتَّقَيْتُنَّ » في جوابه وجهان :
أحدهما : أنه محذوف لدلالة ما تقدم عليه أي إِن اتَّقَيْتُنَّ اللَّهَ فَلَسْتُنَّ كَأَحدٍ ، فالشرط قيد في نفي أن يشبَّهْنَ بأحد من النساء{[43494]} .
والثاني : أن جوابه قوله «فَلاَ تَخْضَعْنَ »{[43495]} والتقوى على بابها ، وجوز أبو حيان على هذا أن يكون «اتَّقَى » بمعنى اسْتَقْبَلَ أي استقبلتن{[43496]} أحداً فلا تُلِنَّ له القول ، واتَّقَى بمعنى استقبل معروف في اللغة ، وأنشد :
4087 - سَقَطَ النَّصِيفُ ولم تُرِد إِسْقَاطَهُ *** فَتَنَاوَلَتْهُ واتَّقَتْنَا بِاليَدِ{[43497]}
أي واستقبلتنا باليد قال : «ويكون على هذا المعنى أبلغ من مدحهن ؛ إذ لم يعلق فضيلتهن على التقوى ولا على نهيه عن الخضوع{[43498]} بها إذْ هنّ متقيات لله في أنفسهن ، والتعليق يقتضي ظاهره أنهن لسن متحليات بالتقوى »{[43499]} ، قال شهاب الدين : هذا خروج عن الظاهر من غير ضرورة وأما البيت فالاتِّقاءُ أيضاً على بابه أي صانت وجهها بيدها{[43500]} عنا .
قوله : «فَيَطْمَعَ » العامة على نصبه جواباً للنهي ، والأعرج{[43501]} بالجزم فيكسر{[43502]} العين لالتقاء الساكنين{[43503]} وروي عنه وعن أبي السَّمَّال وعيسى بن عمر وابن مُحَيْصِن بفتح الياء وكسر الميم{[43504]} ، وهذا شاذ حيث توافق الماضي والمضارع في حركة . وروى عن الأعرج أيضاً أنه قرأ بضم الياء وكسر الميم{[43505]} من «أَطْمَع » وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الفاعل ضميراً مستتراً عائداً على الخضوع المفهوم من الفعل و «الذي » مفعوله أي لا تخضعن فيطمع الخضُوع المريضَ القلبِ ، ويحتمل أن يكون «الذي » فاعلاً ، ومفعوله محذوف أي فيطمع المريض نفسه{[43506]} .
قال ابن عباس : معنى لسْتُنَّ كأحد من النساء يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء{[43507]} الصالحات أنتن أكرم عليّ ، وثوابكن أعظم لَدَيَّ ، ولم يقل كواحد لأن{[43508]} الأحد عام يصلح للواحد ، والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث . قال تعالى : { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ } [ البقرة : 285 } وقال : { فَمَا مِنكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 47 ] وقوله : «إِنْ اتَّقَيْتُنَّ » الله فأطعتنّه ، ولما منعهن من الفعل القبيح منعهن من مقدماته ، وهي المحادثة مع الرجال فقال : { فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول } أي تُلِنَّ القولَ للرجال ، ولا ترفضن الكلام { فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي فسق وفجور وشهوة ، وقيل : نِفاق ، أي لا تقولن قولاً يجدُ منافقٌ أو فاجرٌ به سبيلاً إلى المطامع{[43509]} فيكُنَّ . والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع{[43510]} { وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً } أي ذكر الله{[43511]} ، وما تحتجن إليه من الكلام مما يوجب الدين والإسلام بتصريح أو بيان من غير خضوع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.