قوله : { اسْتِكْباراً } يجوز أن يكون مفعولاً له أي لأجل الاستكبار{[45556]} وأن يكون بدلاً من{[45557]} «نُفُوراً » وأن يكون حالاً أي كونهم مستكبرين{[45558]} قاله الأخفش .
قوله : «ومكر السيّء » فيه وجهان :
أظهرهما : أنه عطف على «استكباراً »
والثاني : أنه عطف على «نُفُوراً »{[45559]} وهذا من إضافة الموصوف إلى صفته{[45560]} في الأصل إذ الأصل والمَكْر والسيِّئ{[45561]} وقرأ العامَّةُ بخفض همزة «السيّئ » وحمزة والأعمش بسكونها وصلاً{[45562]} وقد تجرأت النحاة وغيرهم على هذه القراءة ونسبوها لِلِّحْنِ ونزهوا الأعمش من{[45563]} أن يكون قرأ بها . قالوا : وإنما وقف{[45564]} مسكناً فظُنَّ أنه واصل فغلط عليه{[45565]} . وقد احتج لها قومٌ بأنه إجراء الوصل مُجْرى الوقف أو أجري المنفصل مُجْرى المتصل وحسَّنه كون الكسرة على حرف ثقيل بعد ياء مشددة مكسورة{[45566]} وقد تقدَّمَ أَنَّ أبا عمرو يقرأ : «إلى بارئْكُمْ » «عند بارِئْكُمْ »{[45567]} بسكون الهمزة . فهذا أولى لزيادة الثقل هنا . وقد تقدم هُنا ( كَ ){[45568]} أمثلة وشواهد ، وروي عن ابن كثير «ومَكْرَ السّأي » بهمزة ساكنة بعد السين ثم ياء مكسورة{[45569]} ( و ){[45570]} خرجت على أنها مقلوبة من السَّيْء ، والسَّيْءُ مخفف ( من السيّء ){[45571]} كالمَيْتِ من الميِّت قال الحَمَاسِيُّ :
4166- وَلاَ يَجْزُونَ من حَسَنٍ بسَيْءٍ . . . ولا يَجْزُونَ مِنْ غِلَظٍ بِلِينِ{[45572]}
وقد كثر في قراءته القلب نحو ضِيَاءٍ ، وتَأيَسُوا ولا يَأيَسُ{[45573]} ، كما تقدم تحقيقه وقرأ عبد الله : «وَمَكْراً سَيِّئاً » بالتنكير وهو موافق لما قبله{[45574]} وقرئ : ولا يُحِيقُ بضم الياء المَكْرَ السَّيِّئَ بالنصب{[45575]} على أن الفاعل ضمير الله تعالى ؛ أي لا يُحِيطُ اللَّهُ الْمَكْرَ السَّيِّئَ إلاَّ بأهله .
المراد بالمكر السيّء أي القبيح أضيف المكر إلى صفته قال الكلبي : هو إجتماعهم على الشرك{[45576]} وقيل النبي - صلى الله عليه وسلم{[45577]} - وقال ابن الخطيب : هذا من إضافة الجنس إلى نوعه{[45578]} كما يقال : عِلْمُ الفِقْهِ وحِرْفَةُ الحِدَادَةِ ومعناه : ومكروا مكراً سيئاً ثم عُرِّف لظهور مكرهم ثم ترك التعريف باللام وأضيف إلى السيّئ لكون السر فيه أبين الأمور . ويحتمل أن يقال : بأن المكر استعمل استعمال العمل كما ذكرنا في قوله تعالى : { والذين يَمْكُرُونَ السيئات }{[45579]} [ فاطر : 10 ] أي يعملون السيئات .
قوله : «ولا يحيق المكر السيّئ » أي لا يحل ولا يحيط{[45580]} ، وقوله : «يَحِيقُ » ينبئ عن الإحاطة التي هي فوق اللحوق .
فإن قيل : كثيراً ما نرى الماكر يمكُر ويفيده المكر ويغلب الخصم بالمكر والآية تدل على عدم ذلك .
أحدهما : أن يكون المكر المذكور في الآية هو المكر الذي مكروه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من العزم على القتل والإخراج ولم يحق إلا بهم حيث قتلوا يوم بدر وغيره .
وثانيها : أن نقول : المكرُ عام وهو الأصح ، فإن النبي - عليه ( الصلاة{[45581]} و ) السلام - نهى عن المكر وأخبر بقوله : «لا تَمْكُرُوا وَلاَ تُعِينُوا مَاكِراً فَإنَّ اللَّهِ يَقُولُ : وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأهْلِهِ »{[45582]} وعلى هذا ( فذلك ){[45583]} الرجل الماكر يكون أهلاً فلا يرد نقضاً .
وثالثها : أن الأعمال بعواقبها ومن مكر غيره ونفذ فيه المكر عاجلاً في الظاهر فهو في الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك كمثل راحة الكافر ومشقَة المسلم في الدنيا ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ } يعني إن كان لمكرهم في الحال رواجٌ فالعاقبة للتقوى والأمور بخَوَاتِيمها .
قوله : { سُنَّةَ آلأَوَّلِين } مصدر مضاف لمفعوله و «وسُنَّةَ اللَّهِ » مصدر مضاف لفاعله لأنه سنَّها بهم فصحت إضافتها إلى الفاعل والمفعول . وهذا جواب ( عن ){[45584]} سؤال وهو أن الإهلاك ليس سنة الأولين إنما هو سنة الله في الأولين والجواب عن هذا السؤال من وجهين :
أحدهما : أن المصدر الذي هو المفعول المطلق يضاف إلى الفاعل والمفعول لتعلقه بهما من وجهٍ دون وجه فيقال فيما إذا ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْراً : عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِ عمرو وكيف ضرب مع ما له من الْقَوم{[45585]} والقُوة ؟ وعجبتُ من ضَرْب عمرو وكيف ضرب مع ماله من العلم والحلم{[45586]} ؟ فكذلك سنة الله بهم أضافها إليهم لأنها ( سنة ){[45587]} سنت بهم وإضافتها إلى{[45588]} نفسه بعدها بقوله : { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله } لأنها سنة من الله ، فعلى هذا نقول : أضافها في الأول إليهم حيث قال : سنة الأولين ، لأن سنة الله الإهلاك بالإشراك والإكرام على الإسلام فلا يعلم أنهم ينتظرون أيتهما فإذا قال : سنة الأولين تميزت وفي الثاني أضافها{[45589]} إلى الله لأنها لما علمت فالإضافة إلى الله تعظيماً وتبين أنها أمر واقعٌ ليس لها من دافع .
وثانيهما : أن المراد من سنة الأولين استمرارهم على الإنكار واستكبارهم عن الإقرار وسنة الله استئصالهم بإصرارهم فكأنه قال : أنتم تريدون الإتيان بسنة الأولين والله يأتي بسنةٍ لا تبديل لها ولا تحويل عن مستحقِّها .
فإن قيل : ما الحكمة في تكرار التبديل والتحويل ؟
فالجواب : أن المراد بقوله : { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً } حصول العلم بأن العذاب لا يبدل بغيره وبقوله : { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً } حصول العلم بأن العذاب مع أنه لا يتبدل بالثواب لا يتحول عن مستحقه إلى غيره فيتم تهديد المُسِيءِ .
المعنى فهل ينتظرون إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مَضَى{[45590]} من الكفار والمخاطب بقوله : { فَلَن تَجِد } عام كأنه قال : لن تجد أيها السامع وقيل : الخطاب مع محمد - عليه ( الصلاة{[45591]} و ) السلام- .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.