اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا} (42)

قوله : { وَأَقْسَمُواْ بالله } يعني كفار مكة لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قَالُوا لَعَنَ اللَّهُ اليهودَ والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم وأقسموا بالله وقالوا : «لو أتانا رسول لَنَكُونَنَّ أَهْدَى » ديناً منهم وذلك قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما بعث محمد كذبوه فأنزل الله - عزّ وجلّ - «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمَانِهمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ » رسول «لَيكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إحْدى الأمم » يعني اليهود والنصارى{[45546]} وقيل : المعنى أهدى{[45547]} مما نحن عليه . وعلى هذا فقوله : { مِنْ إِحْدَى الأمم } للتبيين كما يقال : زَيْدٌ مِنَ المسلمين ، ويؤيده قوله تعالى : { فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } أي صاروا أضل مما كانوا يقولون : نكون أهدى وقيل : المراد أهدى من إحدى{[45548]} الأمم كقولك : زَيْدٌ أَوْلَى مِنْ عَمْرو . وقيل : المراد بإحدى الأمم العموم أي إن إحْدَى الأمم يفرض واعلم أنه لما بين إنكارهم للتوحيد من تكذيبهم للرسول ومبالغتهم فيه حيث كانوا يقسمون على أنهم لا يكذبون الرسل إذا تبين لهم كونهم رسلاً وقالوا إنما نكذب محمداً - عليه ( الصلاة{[45549]} و ) السلام - لكونه كاذباً ولو تبني لنا كونُه رسولاً لآمنَّا كما قال تعالى :

{ وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } [ الأنعام : 109 ] وهذا مبالغة في التكذيب .

قوله : { لَّيَكُونُنّ }{[45550]} جواب القسم المقدر والكلام فيه كما تقدم{[45551]} وقوله : { لَئِن جَآءَهُم } حكاية لمعنى كلامهم لا للفظه إذ لو كان كذلك لكان التركيب لَئِنْ جَاءَنَا لَنَكُونَنَّ .

قوله : { مِنْ إِحْدَى الأمم } أي من الأمة التي يقال فيها : هي إحدى الأمم تفضيلاً لها كقولهم : هو إحْدَ ( ى ){[45552]} الأَحَدَيْنِ قالَ :

4165- حَتَّى اسْتَثَارُوا بِيَ إحْدى الإحَدِ . . . لَيْثاً هِزَبْراً في سِلاَح مُعْتَدِ{[45553]}

قوله : «مَا زَادَهُمْ » جواب «لَمَّا » وفيه دليل على أنها حرف لا ظرف إذا لا يعملُ ما بعد «ما » النافية فيما قبلها{[45554]} ، وتقدمت له نظائر{[45555]} وإسناد الزيادة للنذير مجاز لأنه سبب في ذلك كقوله : { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ]

فصل

معنى فلما جاءهم أي صح لهم مجيئه بالمعجزة وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - «مَا زَادَهُمْ إلاَّ نُفُوراً » أي ما زادهم بمجيئة إلا تباعداً عن الهدى .


[45546]:نقله الإمام البغوي في تفسيره 5/306 وكذلك الخازن 5/306 .
[45547]:الفخر الرازي 26/34 .
[45548]:السابق .
[45549]:زيادة من ((ب)) .
[45550]:في قوله: ((ولئن زالتا)) .
[45551]:في ((ب)): لنكونن . تحريف .
[45552]:زيادة من ((أ)) خطأ .
[45553]:بيتان من الرجز وقد نسبا للمرار الفَقْعَسي ويروى البيت الثاني هكذا في اللسان : ليثا هزبرا ذا سلاح معتدي والشاهد ((إحدى الإحد)) حيث أن هذه (الإحدى) لا مثيلة ومفضلة في كل الإحد . قال ابن الأعرابي: ((واحد لا مثيل له يقال: هذا إحدى الإحد وأحد الأحدين)) .
[45554]:قال بظرفيتها ابن السراج والفارسي وابن جني. وهي حرف وجود لوجود. وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب. وقال ابن مالك: هي ظرف بمعنى ((إذا)) ووجهه المغني قال: ((وهو حسن لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة)). وقد رد ابن خروف ردا طريفا على مدعي الاسمية قائلا يجوز أن يقال: ((لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم))، لأنها إذا قدرت ظرفا كان عاملها الجواب، والواقع في اليوم لا يكون في الأمس (بتصرف من المغني 1/280).
[45555]:كقول الله {ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم} الآية 78 من يوسف وكقوله تعالى في الإسراء {فلما نجاكم إلى البر أعرضتم} 67 ، وكقوله في هود {ولما جاء أمرنا نجينا هودا} 58، و{فلما جاء أمرنا نجينا صالحا} 66، {ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا} 94 ومواضع أخرى من آي القرآن الكريم .