اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

قوله : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ } من الجرائم «مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ »

يعني على ظهر الأرض كناية عن{[45603]} غير مذكور وتقدم نظيرها في النحل{[45604]} ، إلاَّ أن هناك لم يجر للأرض ذكر بل عاد الضمير على ما فُهِمَ من السِّياق وهنا قد صرح بها في قوله : { فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض } فيعود الضمير إليها لأنها أقرب ، وأيضاً فلقوله : { مِنْ دَابَّةٍ } والدب إنما يكون على ظهر الأرض وهنا قال : «عَلَى ظَهْرِهَا » استعارة من ظهر الدابة دلالة على التمكن والتقلب عليها والمقام هنا يناسب ذلك لأنه حث على السير للنظر والاعتبار .

قوله : { مِن دَآبَّةٍ } أي كما في زمن نوح - عليه ( الصلاة{[45605]} و ) السلام ) أهلك الله ما على ظهر الأرض من كان في السفينة مع نُوحٍ .

فإن قيل : إذا كان الله يؤاخذ الناس بما كسبوا فما ( بال ){[45606]} الدوَابِّ يهلكون ؟

فالجواب من وجوه :

أحدهما : أن خلق الدواب نعمة فإذا كفر الناس يزيل الله النعم والدوابّ أقرب النعم ، لأن المفردَ ( أولاً ){[45607]} ثم المركب والمركب إما أن يكون معدناً وإما أن يكون نامياً والنامي إما أن يكون حيواناً أو نباتاً والحيوان إما{[45608]} إنساناً أو غير إنسان فالدوابّ أعلى درجات المخلوقات في عالم العناصر للإنسان .

الثاني : أن ذلك بيان لشدة العذاب وعمومه فإن بقا ( ء الأشياء ){[45609]} بالإنسان كما أنَّ بقاء الإنسان بالأشياء لأن الإنسان يدبر الأشياء ويصلحها فتبقى الأشياء ثم ينتفع بها الإنسان فإذا كان الهلاك عاماً لا يبقى من الإنسان من يُعَمِّر فلا يبقى الأبنية والزروع فما تبقى الخيرات الإلهية فإن بقاءها لحفظ{[45610]} الإنسان إياها عن التلف والهلاك بالسَّقْي والْقَلْبِ{[45611]} .

الثالث : أن إنزال المطر إنعام من الله في حق العباد فإذا لم يستحقوا الأنعام قطعت الأمطار عنهم فيظهر الجفاف على وجه الأرض فتموت{[45612]} جميع الحيوانات .

فإن قيل : كيف يقال لما عليه الخلق من الأرض وجه الأرض وظهر الأرض مع أن الظهر مقابلهُ{[45613]} الوجه فهو كالتضاد ؟ فيقال : من حيث إنَّ الأرض كالدابة الحاملة للأثقال والحمل يكون على الظهر وأما وجه الأرض فلأن الظاهر من باب والبطن والباطن من باب ووجه{[45614]} الأرض ظهر لأنه هو الظاهر وغيره منها باطن وبطن .

قوله : { ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } قيل : هو يوم{[45615]} القيامة وقيل : يوم لا يوجد في الخلق مؤمن وقيل : لكل أمة أجل ، ولكل أجل كتاب وأجل{[45616]} قوم محمد - عليه ( الصلاة{[45617]} و ) السلام - أيام القتل والأسر كيوم بدر وغيره .

قوله : { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } تسلية للؤمنين لأنه قال : ما ترك على ظهرها من دابة وقال { لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } [ الأنفال : 25 ] فقال فَإذَا جَاءَ الْهَلاَك فاللَّهُ بالعباد بصيرٌ{[45618]} قال ابن عباس : يريد أهل طاعته وأهل معصيته{[45619]} ،

ختام السورة:

( و ){[1]} روى أبو أمامةَ عن أُبيِّ بْن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ قَرَأ سُورَةَ الْمَلاَئِكَةِ دَعَتْهُ يَوْمَ الْقِيامَةَ ثَمَانِيةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ أَنْ ادْخُلْ مِنْ أيّ الأبْوَابِ شِئْتَ »{[2]} [ والله الموفّقُ للصّواب ، وإليه المرجعُ والمآبُ ]{[3]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[45603]:في ((ب)) من .
[45604]:عند قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} وهي الآية (61) منها .
[45605]:زيادة من ((ب)) .
[45606]:تصحيح لغوي عن النسختين .
[45607]:سقط من ((ب)) .
[45608]:كذا هنا. وفي الرازي وفي ((ب)) إما أن يكون إنسانا .
[45609]:سقط من النسختين وهو تكملة من الرازي .
[45610]:في ((ب)) يحفظ وفي الرازي بحفظ .
[45611]:في الرازي بالسقي والعلف وفي ((ب)) بالسفن تحريف .
[45612]:في ((ب)) فيموتوا .
[45613]:فيها: مقابلة بتاء لا هاء .
[45614]:في ((ب)) فوجه بالفاء .
[45615]:نقله القرطبي عن يحيى . انظر: الجامع 14/26 .
[45616]:في ((ب)) فأجل بالفاء ونقل هذين الوجهين الإمام الفخر الرازي في تفسيره .
[45617]:زيادة من ((ب)) .
[45618]:في ((ب)) بصيرا بالنصب .
[45619]:نقله الإمام الخازن في لباب التأويل 5/306 والإمام البغوي في معالم التنزيل 5/306 .