اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ هَٰذَآ أَخِي لَهُۥ تِسۡعٞ وَتِسۡعُونَ نَعۡجَةٗ وَلِيَ نَعۡجَةٞ وَٰحِدَةٞ فَقَالَ أَكۡفِلۡنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلۡخِطَابِ} (23)

فقال لهما داود : تَكَلَّمَا فقال أحدهما : «إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً » يعني امرأة «وَلِيَ نعْجَةٌ وَاحِدَةٌ » أي امرأة واحدة .

قوله : { تِسْعٌ وَتِسْعُونَ } العامة على كسر التاء وهي اللغة الفاشية ، وزيد بن عليّ والحسنُ بفتحها . وهي لُغَيَّةٌ لبعض تميم ، وكثر في كلامهم الكناية بها عن المرأة ، قال ابن عَوْن :

أَنَا أَبُوهُنَّ ثَلاَثٌ هُنَّةْ***رَابِعَةٌ فِي الْبَيْتِ صُغْرَاهُنَّهْ . . .

وَنَعْجَتِي خَمْساً تُوَفِّيهُنَّهْ

وقال آخر :

هُمَا نَعْجَتَانِ مِنْ نِعَاجِ تِبَالَةَ***لَدَى جُؤْذُرَيْنِ أَوْ كَبَعْضِ دُمَى هَكِرْ

قال الحسين بن الفضل : هذا تعريض للتنبيه والتفهيم لأنه لم يكن هناك نعاج ولا بغي كقولهم : ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْراً ، أو اشْتَرَى بَكْرٌ دَاراً . ولا ضَرْب هناك ولا شِرَاء .

قال الزمخشري : «أخِي » بدل من «هذا » وقرأ عبد الله : «تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَة أُنْثَى » وهذا تأكيد كقوله :

{ وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين } [ النحل : 51 ] وقال الليث : النَّعْجَةُ الأنثى من الضأن والبقر الوحشي والشاة والجمع النِّعَاجُ .

قوله : { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } قال ابن عباس أعْطِنِيها ، وقال مجاهد : انزل لي عنها . وحقيقته ضُمَّها إلَيَّ واجْعَلْنِي كافلها ، وهو الذي يعولُها ويُنْفق عليها ، والمعنى : طلقها لأتزوج إياها .

قوله : { وَعَزَّنِي } أي غَلَبَنِي ، قال :

قَطَاةٌ عَزَّهَا شَرَكٌ فَبَاتَتْ***تُجَاذِبُهُ وَقَدْ عَلِقَ الْجَنَاحُ

يقال : عَزَّهُ يَعُزُّهُ بضم العين . وتقدم تحقيقه في يس عند قوله تعالى : { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } [ يس : 14 ] .

وقرأ طلحةُ وأبو حيوةَ : «وَعَزَنِي » بالتخفيف . قال ابن جنِّي : حذف الزاي الواحدة تخفيفاً كما قال الشاعر :

. . . . . . . . . . . . . . . . . ***أَحَسْنَ بِهِ فَهُنَّ إلَيْهِ شُوسُ

يريد أحْسَسْنَ فحذف . وتروى هذه قراءةً عن عاصم . وقرأ عبد الله والحسن وأبو وائل ومسروق والضحاك : وَعَازَّنِي بألف مع تشديد الزاي أي غَالَبَنِي .