سورة ص مكية ، وهي خمس وثمانون آية ، وسبعمائة واثنتان وثمانون كلمة ، وثلاثة آلاف وسبعة وستون حرفا .
قوله تعالى : { ص } قرأ العامة بسكون الدال كسائر حروف التهجي في أوائل السور وقد مر ما فيه .
وقرأ أبيٌّ والحسنُ وابن أبي إسحاق وابن أبي عَبْلَة وأبو السّمَال بكسر الدال من غير تنوين . وفيه وجهان :
أحدهما : أنه كسر لالتقاء الساكنين وهذا أقرب .
والثاني : أنه ( أمر ) من المصاداة وهي المعارضة ومنه صوت الصَّدَى لمعارضته لصوتك ، وذلك في الأماكن الصُّلبة الخالية .
والمعنى عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره ( وانته عن نواهيه . قاله الحسن . وعنه أيضاً أنه من صَادَيْتُ أي حَادَثْتُ ) والمعنى حَادِث النَّاسَ بالقرآن ، وقرأ ابنُ أبي إسْحَاقَ كذلك إلاَّ أنه نونه وذلك على أنه مجرور بحرف قسم مقدر حذف وبقي عمله كقولهم : اللَّهِ لاَفْعَلَنَّ بالجر إلا أن الجر يقل في غير الجلالة ، وإنما صرفه ذهاباً به إلى معنى الكتاب أو التنزيل . وعن الحسن أيضاً وابن السميقع وهَارونَ الأَعْور صادُ بالضم من غير تنوين على أنه اسم للسورة وهو ( خبر ) مبتدأ مضمر أي هذه صاد . ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث وكذلك قرأ ابن السَّمَيْقَع وهارُون قافُ ونونُ بالضم على ما تقدم وقرأ عيسى وأبو عمرو - في رواية محبوب - صَادَ بالفتح من غير تنوين وهي تحتمل ثلاثة أوجه : البناء على الفتح تخفيفاً كأينَ وكَيْفَ ، والجر بحرف القسم المقدر وإنما منع من الصرف للعلمية والتأنيث كما تقدم . والنصب بإضمار فعل أو على حذف حرف القسم نحو قوله :
فَذَاكَ أَمَانَةَ اللَّهِ الثَّرِيدُ . . .
وامتنعت من الصرف لما تقدم . وكذلك قرأ قاف ونون بالفتح فيهما . وهما كما تقدم ولم يحفظ التنوين مع الفتح والضم .
قيل : هذا قسم ، وقيل : اسم للسورة كما ذكر في الحروف المقطعة في أوئل السور . قال محمد بن كعب القُرَظِيّ : ( ص ) مفتاح اسم الصّمد وصادق الوعد . وقال الضحاك : معناه صدق الله وروي عن ابن عباس صدق محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل معناه أن القرآن مركب من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها ولستم قادرين على معارضته .
فإن قيل : قوله { والقرآن ذِي الذكر } قسم فأين المقسم عليه ؟ .
أحدها : قال الزجاج والكوفيون غير الفراء : هو قوله : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ } [ ص : 64 ] قال الفراء : لا نجده مستقيماً لتأخيره جداً عن قوله { والقرآن } . وقال ثعلب والفراء هو قوله : «كَمْ أَهْلَكْنَا » والأصل : «لكم أهلكنا » فحذف اللام كما حذفها في قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [ الشمس : 9 ] بعد قوله : { وَالشَّمْسِ } ، لما طال الكلام .
الثالث : قال الأخفش هو قوله : «إنْ كُلُّ لَمَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ » ، كقوله : { تالله إِن كُنَّا } [ الشعراء : 97 ] وقوله : { والسمآء والطارق } { إِن كُلُّ } [ الطارق : 1و 4 ] .
الرابع : قوله : { إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا } [ ص : 54 ] .
الخامس : هو قوله : «( ص ) » لأن المعنى والقرآن لقد صدق محمد قاله الفراء وثعلب أيضاً ؛ وهذا بناء منهما على جواز تقديم جواب القسم وأن هذا الحرف مقتطع من جملة دالّ هو عليها وكلاهما ضعيف .
السادس : أنه محذوف . واختلفوا في تقديره فقال الحَوْفيُّ تقديره : «لَقَدْ جَاءَكُم الحَقُّ » ونحوه وقدره ابن عطية : ما الأمر كما تزعمون . ودل على هذا المحذوف قوله : { بَلِ الذين كَفَرُواْ } . والزمخشري : أنه لمعجز ، وأبو حيان : إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ . قال : لأنه نظير : { يس والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين } [ يس : 1-3 ] .
وللزمخشري هنا عبارة بشعة جداً قال : فإن قلت : قوله : «ص . والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق » كلام ظاهر متناف غير منتظم فما وجه انتظامه ؟ .
أحدهما : أن يكون قد ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز كما مر في أول الكتاب ثم أتبعه القسم محذوف الجواب بدلالة التَّحدِّي عليه كأنه قال : والقرآن ذِي الذِّكْر إنه لكلام معجز .
والثاني : أن يكون ( صاد ) خبر مبتدأ محذوف على أنها اسم للسورة كأنه قال : هذه «ص » يعني هذه السورة التي أعجزت العرب وَالقُرآنِ ذي الذكر كما تقول : «هذا حَاتمٌ واللَّهِ » تريد هو المشهور بالسخاء واللَّهِ وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال : أقسمتُ بصاد والقرآنِ ذي الذكر إنه لمعجز . ثم قال : بلِ الذَّينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف ( بالحق ) وشِقَانِ لله ورسوله . ( و ) جعلتها مقسماً بها وعطفت عليها «والقرآن ذي الذكر » جاز لك أن تريد بالقرآن التنزيل كله ، وأن تريد السورة بعينها . ومعناه : أُقْسِمُ بالسُّورةِ الشًّرِيفة والقرآنِ ذِي الذِّكر كما تقول : مَرَرْتُ بالرَّجُلِ الكَرِيم وبالنِّسْبَة المُبَارَكَةِ ، ولا تريد بالنّسبة غيرَ الرجل . وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره بل الذين كفروا في عِزَّةٍ وشقاق والقرآنِ ذي الذكر .
( والمراد بكون القرآن ذي الذكر ) أي : ذي الشرف ، قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] وقال : { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [ الأنبياء : 10 ] كما تقول : «لِفُلاَنٍ ذٍكْرٌ فِي النَّاسِ » . ويحتمل أن يكون معناه ذو النبأ أي فيه أخبار الأولين والآخرين وبيان العلوم الأصلية والفرعية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.