وقوله : { إِذْ دَخَلُواْ } . قال الزمخشري : وهو يقع للواحد والجمع كالضَّيْفِ ، قال تعالى : { حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين } [ الذاريات : 24 ] لأنه مصدر في أصله ، يقال خَصَمَهُ يَخْصِمَهُ خصما كما تقول : ضَافَهُ ضَيْفاً . فإن قلت : هذا جمع وقوله : خَصْمَان تثنية فكيف استقام ذلك ؟ قلت : معنى خصمان فريقان خصمان ، والدليل قراءة من قرأ : «بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ » ونحوه قوله تعالى : { هذان خَصْمَانِ اختصموا } [ الحج : 19 ] فإن قلت : فما تَصْنَعُ بقوله : { إِنَّ هَذَآ أَخِي } وهو دليل على الاثنين ؟ قلت : معناه أنّ التحاكم بين ملكين ولا يمنع أن يصحبهما آخرون ، فإن قلت : كيف سماهم جميعاً خَصْماً في قوله : «نَبَأُ الخَصْمِ وخَصْمَان » ؟ قلت : لما كان صحب كل واحد من المتحاكمين في صورة الخصم صحت التسمية به .
قوله : { إِذْ تَسَوَّرُواْ } في العامل في «إذْ » أَوْجُهٌ : أحدها : أنه معمول للنبأ إذا لم يرد به القصة . وإليه ذهب ابنُ عطية وأبو البقاء ومكِّيٌّ أي هل أتاك الخبر الواقع في وقت تَسَوُّرهم المحراب ، وقد ردّ بعضهم هذا بأن النبأ الواقع في ذلك الوقت لا يصح إتيانه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن أريد بالنبأ القصة لم يكن ناصباً . قاله أبو حَيَّانَ .
الثاني : أن العامل فيه «أَتَاكَ » . وُردَّ بما رُدَّ به الأول ، وقد صرح الزَّمَخْشَريُّ بالرد على هذين الوجهين : فقال : «فإن قلت : بم انتصب إذ ؟ قلت : لا يخلوا إما أن ينتصب «بأتَاكَ » أو «بالنَّبَأ » أو بمحذوف فلا يسوغ انتصابه بأَتَاك لأن إتيان النبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقع إلا في عهده لا في عهد داودَ ( و ) لا بالنبأ ، لأن النبأ واقع في عهد داود فلا يصح إتيانه رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- وإن أردت بالنبأ القصة في نفسها لم يكن ناصباً ، فبقي أن يكون منصوباً بمحذوف تقديره : وهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ تَحَاكُمِ الخَصْمِ إذْ » . فاختار أن يكون معمولاً لمحذوف .
الرابع : أن ينتصب بالخصم ؛ لما فيه من معنى الفِعْل .
قوله : «إذْ دَخَلُوا » فيه وجهان : أحدهما : أنه بدل من «إذ » الأُولَى . الثاني : أنه منصوب بتَسَوَّرُوا .
ومعنى تسوروا عَلَوْ أَعْلَى السّور ، وهو الحائط غير مهموز كقولك : تَسَنَّم البَعِيرَ أي بَلَغَ سَنَامَهُ . والضمير في «تَسَوَّرُوا » و «دَخَلُوا » راجع على الخصم ، لأنه جمع في المعنى على ما تقدم ، أو على أنه مثنًّى والمثنى جمع في المعنى . وتقدم تحقيقه .
قوله : { خَصْمَانِ } خبر مبتدأ مضمر أي نَحْنُ خَصْمَانِ ولذلك جاء بقوله : { بَعْضُنَا } ، ومن قرأ «بعضهم » بالغيبة يجوز أن يقدره كذلك ويكون قد راعى لفظ : خَصْمَان ، ويجوز أن يقدرهم خَصْمَان ليتطابق ، وروي عن الكسائي خِصْمَانِ بكسر الخَاء . وقد تقدم أنه قرأها كذلك في الحَجِّ .
قوله : { بغى بَعْضُنَا } جملة يجوز أن تكون مفسِّرة لحالهم ، وأن تكون خبراً ثانياً .
فإن قيل : كيف قالا : بغى بعضنا على بعض وهما مَلَكَان - على قول بعضهم- والملكان لا يبغيان ؟ قيل : معناه أرأيت خَصْمَيْن بَغَى أحَدُهُما على الآخر ، وهذا من مَعَارِيضِ الكلام لا على تحقيق البغي من أحدهما .
قوله : { فاحكم بَيْنَنَا بالحق وَلاَ تُشْطِطْ } العامة على ضم التاء وسكون الشين ، وضم الطاء الأولى من ( أ )شْطَطَ يُشْطِطُ إشْطَطاً إذا تجاوز الحق ، قال أبو عبيدة : شَطَطْتُ في الحكم وأَشْطَطْتُ إذا جُرْت ؛ فهو مما اتفق فيه فَعَلَ وأَفْعَلَ ، وإنما فكَّهُ على أحد الجائزين كقوله : { مَنْ يَرْتَدِدْ } [ البقرة : 217 ] . وقد تقدم تحقيقه . وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن أبي عبلة تَشطُطْ بفتح التاء وضم الطاء من «شَطّ » بمعنى «أَشَطَّ » كما تقدم .
وقرأ قتادة : تُشِطّ من «أَشَطَّ » رباعياً إلا أنه أدغم . وهو أحد الجائزين كقراءة من قرأ «مَنْ يَرْتَدَّ منْكُمْ » وعنه أيضاً «تُشَطِّطْ » بفتح الشين وكسر الطاء مشددة من شَطَّط يشطِّطُ . والتثقيل فيه للتكثير . وقرأ زر بن حبيش تشاطط من المفاعلة وأصل الكلمة من : شَطَّتِ الدَّارُ وأَطَّتْ إذا بَعُدَتْ . «وَاهْدِنَا إلَى سَوَاء الصِّرَاطِ » أَرْشِدْنَا إلى طريق الصواب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.