اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } . . . . الآية . لما بين وعيد المشركين ووعد الموحدين عاد إلى إقامة الدليل على تَزْيِيفِ طريق عبدة الأوثان وهذا التَّزْييف مبني على أصلين :

الأصل الأوّل : أن هؤلاء المشركين مقرون بوجود الإله القادر العالم الحكيم وهو المراد من قوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } . قال بعض العلماء العلم بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم علمٌ متفق عليه بين جمهور الخلائق لا نزاع بينهم فيه وفطرة العقل شاهدةً بصحة هذا العلم فإن من تأمل في{[47489]} عجائب بدن الإنسان وما فيه من أنواع الحِكَم الغريبة والمصالح العجيبة عِلمَ أنه لا بدّ من الاعتراف بالإله القادر الحكيم الرحيم .

والأصل الثاني : أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر وهو المراد من قوله : { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } فثبت أنه لا بدّ من الإقرار بوجود ( الله ) الإله القادر الحكيم الرحيم ، وثبت أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر وإذا كان الأمر كذلك كانت عبادة الله كافيةً والاعتمادُ عليه كافياً وهو المراد من قوله : { قُلْ حَسْبِيَ الله عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون }{[47490]} .

قوله : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ } هي{[47491]} المتعدية لاثنين أولهما : «ما تدعون » ، وثانيهما : الجملة الاستفهامية{[47492]} والعائد على المفعول منها قوله «هُنَّ » . وإنما أَنَّثَهُ تَحْقِيراً لما يدعون من دونه ولأنهم كانوا يسمونها بأسماء الإناث اللاتِ ومناةَ والعُزَّى{[47493]} ، وتقدم تحقيق هذا .

قوله : { هَلْ هُنَّ كَاشِفَات } قرأ أبو عمرو كاشفاتٌ وممسكاتٌ- بالتنوين- ونصب «ضُرَّهُ ورَحْمَتَهُ » وهو الأصل في اسم الفاعل{[47494]} . والباقون بالإضافة . وهو تخفيفٌ{[47495]} .

فصل

قال مقاتل : لما نزلت هذه الآية سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فسكتوا فقال الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ثِقَتي باللَّه واعتمادي { عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون } يثق الواثقون{[47496]} .


[47489]:في الرازي: فإن من تأمل في عجائب أحوال السموات والأرض وفي عجائب أحوال النبات والحيوان خاصة وفي عجائب بدون الخ....
[47490]:انظر: الرازي 26/282.
[47491]:يقصد: "رأى".
[47492]:وهي : "هل هن كاشفات ضره".
[47493]:قال بذلك أبو حيان في البحر 7/429 والسمين في الدر 4/654.
[47494]:ومعروف أن اسم الفاعل يعمل عمل فعله إذا كان بمعنى الحال والاستقبال بشرط كونه منونا وإذا أضيف كما في القراءة هنا فيحذف التنوين وهو منوي مراد. وإن كانت إضافته إلى معرفة فإضافته في تلك الحال لفظية القصد منها التخفيف. وانظر شرح الأشموني 2/293، 294 وابن يعيش 2/119 (بتصرف منهما)
[47495]:السبعة 562، والنشر 2/363 وإبراز المعاني 669.
[47496]:البغوي 6/77.