اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

قوله : { أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ } العامة على توحيد «عَبْده » ، والأَخَوَانِ{[47476]} عِبَادَهُ جمعاً ، وهم الأنبياء وأتباعهم ، وقرئ «بِكَافِي عِبَادِهِ »{[47477]} بالإضافة . ويُكَافِي مضارع كافي عِبَادَهُ نُصب على المفعول{[47478]} به .

ثم المفاعلة{[47479]} هنا تحتمل أن تكون بمعنى «فَعَلَ » نحو : يُجَازِي بمعنى يَجْزِي وبني على لفظ المفاعلة لما تقدم من أن بناء المفاعلة يشعر بالمبالغة لأنه للمغالبة ، ويحتمل أن يكون أصله يُكافيءُ بالهمز من المكافأة بمعنى يَجْزِيهم فخففت الهمزة{[47480]} ، وهذا استفهام تقرير .

قوله : { وَيُخَوِّفُونَكَ } يجوز أن يكون حالاً ؛ إذ المعنى أليس ( اللَّهُ ) كَافِيكَ حالَ تخويفهم إياك بكَذَا كأَنَّ المعنى أنه كافِيهِ في كل حال حتى في هذِهِ الحال ، ويجوز أن تكونَ مستأنفةً{[47481]} .

فصل

من قرأ بكافٍ عَبْدَهُ يعني محمداً- صلى الله عليه وسلم - ومن قرأ عباده{[47482]} يعني الأنبياء عليهم ( الصلاة و ) السلام قَصَدَهُمْ قومُهُمْ بالسوء كما قال تعالى : { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } [ غافر : 5 ] وكفاهم{[47483]} اللَّهُ شَرَّ من عاداهم . وقيل{[47484]} : المراد أن الله تعالى كفى نوحاً - عليه ( الصلاة و ) السلام- وإبراهيم النار ويونس ما دفع إليه فهو سبحانه وتعالى كافيك يا محمد كما كفى هؤلاء الرسل قبلك .

وقوله تعالى : { وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ } وذلك أن قريشاً خوفوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مُعَادَاةَ{[47485]} الأوثانِ وقالوا : لَتَكُفَّنَّ عن شتم آلهتنا أو ليُصِيبَّنَّكَ منهم خَبَلٌ أو جنونٌ ، فأنزل الله هذه الآية{[47486]} .

ولما شرح الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ختم الكلام بخاتمة هي المفصل الحق فقال : { وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ } أي هذه الدلائل والبينات لا تنفع إلا إذا خص الله العبد بالهداية والتوفيق ، ثم قال : { أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِي انتقام } . وهذا تهديدٌ للكُفَّار{[47487]} .

فصل

احتج أهل السنة بهذه الآية على مسألة خلق الأعمال لأن قوله : { وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ } صريح في ذلك ، وتمسك المعتزلة بقوله أليس الله بعزيز ذِي انتقام ولو كان الخَالق للكفر فيهم هو الله تعالى لكان الانتقام والتهديد غير لائق . والله أعلم{[47488]} .


[47476]:قراءة متواترة سبعية ذكرت في الإتحاف 375 والسبعة 562 ومعاني الفراء 2/419.
[47477]:قراءتان من الشواذ وذكرهما صاحب الكشاف 3/399 وصاحب البحر 7/429 وصاحب الدر المصون 4/654 وفيه: بكافي عبده.
[47478]:قراءتان من الشواذ وذكرهما صاحب الكشاف 3/399 وصاحب البحر 7/429 وصاحب الدر المصون 4/654 وفيه: بكافي عبده.
[47479]:وهي المكافاة أو المكافأة بالهمز وغيره.
[47480]:قال بذلك الزمخشري في الكشاف 3/399 وانظر: البحر 7/429، والدر المصون 4/654.
[47481]:أعربه السمين في الدر في المرجع السابق.
[47482]:وهي قراءة جعفر وحمزة والكسائي. قراءة سبعية كما أسلفت.
[47483]:في البغوي فكفاهم بالفاء.
[47484]:نقله الرازي في التفسير الكبير 26/281.
[47485]:في البغوي معرة معاداة.
[47486]:الرازي والبغوي السابقين.
[47487]:قاله الرازي في المرجع السابق.
[47488]:نقله الرازي في المرجع السابق.