قوله تَعَالَى : { أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } الآية ، لما بين الدلائل الدالة على وجوب الإقبال على طاعة الله ووجوب الإعراض عن الدنيا وذكر أن الانتفاع بهذه البيانات لا تكمل إلا إذا شُرحَ الصدر ونُوِّر القلب ، والكلام في قوله ( تعالى ) : { أَفَمَن شَرَحَ الله } وقوله : «أَفَمَنْ يتقي » كالكلام في «أَفَمَنْ حَقَّ » والتقدير : أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لْلإسْلاَم كَمَنْ قَسَا قَلْبُهُ ، أو كالقَاسِي المُعْرِضِ لدلالة : { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } عليه وكذا التقدير في : «أَفَمَنْ يتقي » أي كمن أمن العذاب ، وهو تقدير الزمخشري ، أو : كالمُنعمِينَ في الجنة وهو تقدير ابن عطيَّةَ .
معنى شرح الله صدره للإسلام أيْ وسعه لقبول الحق { فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } كمن أقسى الله قلبه { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين } . قال مالك بن دينار : ما ضرب عبدٌ بعقوبة أعظمَ من قسوةِ القلب وَمَا غضب الله على قوم إلا نَزَعَ منهم الرحمة .
فإن قيل : إن ذكر الله - عزّ جلّ- سبب لحُصُول النور والهداية وزيادة الاطمئنان قال تعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب } [ الرعد : 28 ] فكيف جعله في هذه الآية مبيناً لحصول القسوة في القلب ؟ .
فالجواب : أن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر كدرة العُنْصر بعيدةً عن مناسبة الرُّوحَانِيَّات شديدة الميل إلى الطبائع البهيمية والأخلاق الذَّميمة فإن سماعها لذكر الله يزيدها قسوةً وكُدُورةً ، مثاله أن الفاعل الواحد تختلف أفعاله بحسب اختلاف القوابل كنور الشمس تسود وجه القصار ويبيض ثوبه ، وحرارة الشمس تلين الشمع وتعقِد الملح . وقد نرى إنساناً واحداً يذكر كلاماً واحداً في مجلس واحد فيستطيبه واحد ويستكرهه غيره ، وما ذاك إلا بحسب اختلاف جواهر النفوس ، ولما نزل قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } [ المؤمنون : 12 ] وعمر بن الخطاب حاضر وإنسان آخر فلما انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى قوله تعالى : { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } [ المؤمنون : 14 ] قال كل ( واحد ) منهما : { فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين } [ المؤمنون : 14 ] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اكتب فكذا نزلت فازْدَادَ عمرُ إيماناً على إيمان ، وازداد ذلك الإنسان كفراً على كُفْرٍ ، وإذا عرف هذا لم يبعد أن يكون ذكر الله- عزّ وجلّ- يوجب النور والهداية والاطمئنان في النفوس الطاهرة الروحانيَّة ويوجب القَسْوَة والبعد عن الحقّ في النفوس الخبيثة الشَّيْطَانِيَّة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.