اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

قَوْلُهُ ( تَعَالَى ){[48171]} : { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات } يعني يوسف بن يعقوب من قبل موسى بالبينات ، ونقل الزمخشري أنه قبل يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نيفاً وعشرين سنة وقيل : إن فرعون موسى هو فرعون يوسف بَقِيَ حيًّا إلى زمانه ، وقيل : هو فرعون آخر{[48172]} . والمقصود من الكل شيء واحد هو أن يوسف حاء قومه بالبينات وهي قوله تعالى : { أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار }{[48173]} [ يوسف : 39 ] والأولى أن يُراد بها المعجزات .

واعلم أن مؤمن آل فرعون لما قال لهم : ومن يضلل الله فما له من هاد ذكر هذا المثال وهو أن يوسف جاءهم بالبينات الباهرة فأصروا على التكذيب ولم ينتفعوا بتلك الدلائل ، وهذا يدل على ( أن ){[48174]} من أضله الله فما له من هاد ، ثم قال : { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ } قال ابن عباس ( رضي الله عنه ){[48175]} : من عبادة الله وحده لا شريك له ، فلم ينتفعوا ألبتة بتلك البينات .

قوله «حَتَّى إذَا » غاية لقوله { فما زلتم في شك } ، فَلَمَا هَلَك { قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } أي أقمتم على كفركم ، وظننتم أن الله تعالى لا يجدد عليكم الحجة ، وقرئ ألن{[48176]} يبعث الله بإدخال همزة التقرير يقرّر بعضهم بعضاً .

قوله : «كَذَلِكَ » أي الأمر كذلك{[48177]} ، أو مثل هذا الضلال يضل الله كل مسرف كذاب في عصيانه مرتاب في دينه ، فقوله «يضل الله » مستأنف ، أو نعت مصدر أي مثل إضلال الله إياكم حين لم تقبلوا من يوسف يضل الله من هو مسرف{[48178]} .


[48171]:زيادة من (أ).
[48172]:ذكر هذه الأقوال الزمخشري في الكشاف 3/426 والرازي تبعا في تفسيره 27/62.
[48173]:رأي الرازي السابق.
[48174]:سقط من (أ).
[48175]:زيادة من (أ).
[48176]:قراءة شاذة غير متواترة لم يحددها أبو حيان في البحر 7/464 وكذلك الزمخشري في الكشاف 3/427.
[48177]:التبيان 1119.
[48178]:الدر المصون 4/693.