اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ يُخَفِّفۡ عَنَّا يَوۡمٗا مِّنَ ٱلۡعَذَابِ} (49)

فعند هذا يحصل اليأس للأتباع من المتبوعين ، فيرجعون إلى خَزَنَةِ جهنم ويقولون لهم : { ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ العذاب } .

فإن قيل : لم لم يقل : وقال الذين في النار لخزنتها ؟

فالجواب من وجهين :

الأول : أن يكون المقصود من ذكر جهنم التهويل والتفظيع .

والثاني : أن تكون جهنم اسماً لموضع من أشد المواضع بعيدِ القرار من قولهم : بِئْرٌ جِهِنَّامٌ أي بعيدة القَعْر{[48323]} وفيها أعظم أقسام كفار عقوبة ، وخزنة ذلك الموضع تكون أعظم خزنة جهنم عند الله درجة ، فإذْ عرف الكافر{[48324]} أن الأمر كذلك استغاثوا بهم فيقولون لهم : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بالبينات } ؟ .

قوله : { يَوْماً مِّنَ العذاب } في يومايً وَجْهَانِ :

أحدهما : أنه ظرف لِيُخَفِّفْ ، ومفعول «يخفف » محذوف ، أي يخفف عنا شيئاً من العذاب في يوم . ويجوز على رأي الأخفش أن تكون «مِنْ » مزيدة فيكون العذاب هو المفعول ، أي يخفف عنا في يوم العذابَ .

الثاني : أن يكون مفعولاً به ، واليوم لا يخفف ، وإنما يخفف مظروفه ، والتقدير يخفف عذاب يوم ، وهو قلق لقوله : «مِنَ العَذَابِ » والقول بأنه صفة كالحال أقلق منه .

والظاهر أن «مِنَ العََذَابِ » هو المفعول ليخفف ، ومِنْ تَبْعِيضِيَّة ، و «يَوْماً » ظرف{[48325]} ، سألوا أن يخفف عنهم بعض العذاب لا كله في يوم ما ، لا في كل يوم ولا في يوم معين .


[48323]:انظر لسان العب جهنم 715 بكسر الجيم والياء وقال اللحياني: جهنام اسم أعجمي.
[48324]:الأصح كما في الرازي الكفار. وانظر تفسير الرازي 27/74.
[48325]:قال بهذا الإعراب أبو البقاء في التبيان 1021، والسمين في الدر 4/704.