اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (43)

قوله : «لاَ جَرَمَ » تقدم الخلاف في «لاَ جَرَمَ » في سورة هود في قوله : { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون } [ هود : 22 ] ، وقال الزمخشري هنا : «ورُوِيَ عن بعض العرب : لا جُرْمَ أنه يفعل كذا بضم الجيم وسكون الراء بمعنى : لا بُدَّ . وَفَعَلٌ وَفُعْلٌ أخوان كَرَشَدٍ ، وَرُشْدٍ ، وعَدَمٍ ، وَعُدْمٍ »{[48254]} .

وشأنه على مذهب البصريين أن يجعل رداً على دعاه إليه قَوْمُهُ{[48255]} .

و«جَرَمَ » فَعَلٌ بمعنى حَق ، و«أَنَّ » مع ما في حيّزها فاعله ، أي وَجَبَ بُطْلانُ دَعْوَتِهِ ، أو بمعنى كَسَبَ من قوله تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ } [ المائدة : 2 ] أي بسبب ذلك الدعاء إليه بطلان دعوته بمعنى أنه ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته{[48256]} .

ويجوز أن يقال إنّ «لاَ جَرَمَ » نظير «لاَ بُدَّ » فَعَلَ من الجَرْم وهو القطع كما أن «بُدًّا » فعل من التبديد وهو التفريق ، وكما أن معنى : لاَ بُدَّ أنكَ تَفْعَلُ كذا بمعنى لاَ بُدَّ لك من فِعْلِهِ ، فكذلك { لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار } [ النحل : 62 ] أي لاَ قَطْعَ لذلك بمعنى أنهم أبداً يستحقون ( العقاب ){[48257]} النار لا انقطاع لاسْتِحْقَاقِهِمْ ، ولا قطع لبُطْلاَن دعوة الأصنام أي لا تزال باطلةً لا ينقطع ذلك فينقلب حقًّا{[48258]} .

فصل

قال البغوي : «لاَ جَرَمَ » حقاً { أَنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ } أي للدين دعوة في الآخرة قال السدي ( رحمه الله ){[48259]} لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة يعني ليست{[48260]} له استجابة دعوة ، فسمى{[48261]} استجابة الدعوة دعوة ، إطلاقًاً لاسم أحد المضافين على الآخر ، كقوله : وجزاء سيئة سيئة مثلها . وقيل{[48262]} : ليستْ له دعوة أي عبادة في الدنيا ؛ لأن الأوثانَ لا تَدَّعِي الربوبية ، ولا تدعو إلى عبادتها وفي الآخرة تتبرأ من عابديها .

ثم قال : «وأَنَّ مَرَدَّنَا » أي مرجعنا «إلَى اللهِ » فيجازي كُلاًّ بما يَسْتَحِقُّهُ ، «وَأَنَّ المُسْرِفِينَ » المشركين { هُمْ أَصْحَابُ النار } . قاله قتادة . وقال مجاهد : السفاكين الدماء{[48263]} .


[48254]:الكشاف 3/429.
[48255]:أي ليس الأمر كما تصفون ثم يبتدئ ما بعده.
[48256]:هذا رأي الرازي في تفسيره 27/70 آخذا إياه من الكشاف 3/429.
[48257]:زيادة من الأصل عن ب والكشاف والرازي.
[48258]:قال بهذا الرأي أيضا صاحب الكشاف وتبعه الرازي انظر المرجعين السابقين.
[48259]:زيادة من (أ) فقط.
[48260]:في ب ليس وانظر البغوي 6/96.
[48261]:قاله الرازي 27/71.
[48262]:نقله البغوي في مرجعه السابق.
[48263]:الرازي السابق.