اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ} (74)

قوله تعالى : { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام } .

معنى «مقصورات » : أي : محبوسات ومنه القصر ؛ لأنه يحبس من فيه .

ومنه قول النحاة : «المقصور » ، لأنه حبس عن المد ، وحبس عن الإعراب أو حبس الإعراب فيه ، والنساء تمدح بملازمتهن البيوت{[54619]} كما قال قيس بن الأسلت : [ الطويل ]

وتَكْسَلُ عَنْ جِيرَانِهَا فَيَزُرنهَا *** وتغْفُلُ عَنْ أبْيَاتِهِنَّ فتُعْذَرُ{[54620]}

ويقال : امرأة مقصورة وقصيرة ، وقصورة بمعنى واحد .

قال كثير عزة فيه : [ الطويل ]

وأنْتِ الَّتِي حبَّبْتِ كُلَّ قصيرةٍ *** إليَّ ، ولَمْ تَعْلَمْ بذاكَ القَصَائِرُ

عَنَيْتُ قِصاراتِ الحِجَالِ ولمْ أردْ *** قِصَارَ الخُطَا ، شرُّ النِّساءِ البَحاتِرُ{[54621]}

و«الخيام » : جمع «خَيْمة » ، وهي تكون من ثُمام وسائر الحشيش ، فإن كانت من شعر ، فلا يقال لها : خيمة ، بل بيت .

قال جرير : [ الوافر ]

مَتَى كَانَ الخِيَامُ بِذِي طُلُوحٍ *** سُقيتِ الغَيْثَ أيَّتُهَا الخِيَامُ{[54622]}

فصل في أن جمال الحور يفوق الآدميات

اختلفوا أيهما أكثر حسناً وأتم جمالاً الحور أو الآدميات .

فقيل : الحور لما ذكر من صفتهن في القرآن والسُّنة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في دعائه في صلاة الجنائز : «وأبْدِلْ لَهُ دَاراً خَيْراً مِنْ داره ، وأبْدِلْ لَهُ زَوْجاً خَيْراً من زَوْجِه »{[54623]} .

وقيل : الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف ، روي ذلك مرفوعاً .

وقيل : إن الحور العين المذكورات في القرآن هن المؤمنات من أزواج النَّبيِّين والمؤمنين يخلقن في الآخرة على أحسن صورة . قاله الحسن البصري .

والمشهور أن الحور العين لسن من نساء أهل الدنيا ، إنما هن مخلوقات في الجنة ؛ لأن الله تعالى قال : { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } وأكثر نساء أهل الدنيا مطموثات .

فصل في جمال الحور العين

«الحور » : جمع حوراء وهي الشديدة بياض العين مع سوادها .

و«المقصورات » : المحبوسات المستورات في الخيام ، وهي الحجال ، لسن بالطَّوافات في الطرق ، قاله ابن عباس .

وقال عمر رضي الله عنه : «الخيمة » : درّة مجوفة{[54624]} . وقاله ابن عباس .

وقال : وهي فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب{[54625]} .

قال أبو عبد الله الحكيم الترمذي في قوله تعالى : { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام } : بلغنا في الرواية أن سحابة أمطرت من العرش ، فخلقن من قطرات الرحمة ، ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطئ الأنهار سعتها أربعون ميلاً وليس لها باب ، حتى إذا دخل وليّ الله الجنة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها ، فهي مقصُورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين .

وقال مجاهد : قصرن أطرافهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يبتغين بدلاً{[54626]} .

وقال عليه الصلاة والسلام : «لوْ أنَّ امْرأةً مِنْ نساءِ أهْلِ الجنَّة اطَّلعَتْ على أهْلِ الأرْضِ لأضاءَتْ ما بينَهُما ، ولمَلأتْ ما بَيْنهُمَا ريحاً »{[54627]} .

وتقدَّم الكلام على قوله تعالى : { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } .


[54619]:ينظر: الدر المصون 6/249.
[54620]:في الديوان: ويكر منها جارتها مكان وتكسل من جيرانها. ينظر ديوانه ص 72، والبحر 8/197، والدر المصون 6/249.
[54621]:ينظر ديوانه ص 369، والأشباه والنظائر 5/180، وإصلاح المنطق ص 184، وجمهرة اللغة ص 743، والدرر 1/282، وابن يعيش 6/37، ومعاني القرآن للفراء 3/120، وأسرار العربية ص 41، وهمع الهوامع 1/86؛ والمعاني الكبير ص 505، واللسان (فقر)، والقرطبي 17/123، والبحر 8/185، والدر المصون 6/249.
[54622]:ينظر ديوانه ص 278، والأغاني 2/179، وجمهرة اللغة ص 550، والجني الداني ص 174، وخزانة الأدب 9/121، وشرح أبيات سيبويه 2/349، وشرح شواهد المغني 1/311، 2/785، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 617، وشرح المفصل 9/78، والكتاب 4/206، ومعجم ما استعجم ص 893، والمقاصد النحوية 2/469، وجواهر الأدب 164، وسر صناعة الإعراب 1/479، 480، 481، وشرح الأشموني 3/762، ولسان العرب (روى) و(قوا)، ومغني اللبيب 2/368، والمنصف 1/224، والدر المصون 6/249، والبحر 8/185.
[54623]:تقدم.
[54624]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/616).
[54625]:ينظر المصدر السابق.
[54626]:تقدم.
[54627]:أخرجه البخاري (6/19) كتاب الجهاد والسير، باب: الحور العين وصفتهن حديث (2796). والترمذي (1605) من حديث أنس.