قوله : { وَمَرْيَمَ ابنة عِمْرَانَ } .
عطف على { امرأة فِرْعَوْنَ } .
ضرب الله المثل للكافرين بامرأتين ، وللمؤمنين بامرأتين .
وقال أبو البقاء{[57277]} : «ومَرْيَمَ » أي : «واذكر مريم » .
وقرأ العامة : «ابْنَة » بنصب التاء .
وأيوب{[57278]} السختياني : بسكون الهاء ، وصلاً ، أجرى الوصل مجرى الوقف .
والعامة أيضاً : «فَنَفَخْنَا فيْهِ » أي : في الفرجِ .
وعبد الله{[57279]} : «فِيْهَا » أي : في الجملة . وقد تقدم في «الأنبياء »{[57280]} مثله .
والعامة أيضاً : «وصَدَّقتْ » بتشديد الدال .
ويعقوب وقتادة وأبو مجلز ، وعاصم{[57281]} في رواية : بتخفيفها ، أي : صدقت فيما أخبرت به من أمر عيسى .
والعامة على : «بِكَلمَاتِ » جمعاً .
والحسن ومجاهد والجحدري : «بِكلمَةِ » بالإفراد{[57282]} .
فقيل : المراد بها عيسى ؛ لأنه كلمةُ الله .
ضرب الله مثلاً بمريم ابنة عمران وصبرها على أذى اليهود .
وقوله : { التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } عن الفواحش .
وقال المفسرون هنا{[57283]} : أراد بالفرج الجيب ، لقوله { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } وجبريل - عليه السلام - إنما نفخ في جيبها ولم ينفخ في فرجها .
وهي{[57284]} في قراءة أبيٍّ : { فنفخنا في جيبها من روحنا } ، وكل خرق في الثوب يسمى فرجاً ، ومنه قوله تعالى : { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } .
ويحتمل أن يكون أحصنت فرجها ونفخ الروح في جيبها .
ومعنى «فَنَفَخْنَا » أرسلنا جبريل فنفخ في جيبها «مِنْ رُوحِنَا » أي : روحاً من أرواحنا وهي روح عيسى ، وقوله : { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا } أي : قول جبريل لها : { إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ }[ مريم : 19 ] الآية .
وقال مقاتل : يعني بالكلمات عيسى ، وأنه نبيّ وعيسى كلمة الله{[57285]} كما تقدم .
وقيل : { بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا } يعني الشرائع التي شرعها الله للعباد بكلماته المنزلة .
قرأ أهل «البَصْرة » وحفص : «وكُتُبِهِ » على الجمع .
وقرأ الأخرون{[57286]} : «وكِتَابِهِ » على التوحيد .
والمراد منه الكثرة ، فالمراد به الجِنْس ، فيكون في معنى كل كتاب أنزله الله تعالى .
وقرأ أبو رجاء{[57287]} : «وَكُتْبِهِ » بسكون التاء ، وهو تخفيف حسن .
وروي عنه{[57288]} : «وكَتْبِهِ » بفتح الكاف .
قال أبو الفضل : مصدر وضع موضع الاسم ، يعني ومكتوبه .
أراد الكتب التي أنزلتْ على إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وعيسى .
وقوله : { وَكَانَتْ مِنَ القانتين } .
أحدهما : أنها لابتداء الغاية .
والثاني : أنها للتبعيض ، وقد ذكرهما الزمخشريُّ ، فقال{[57289]} : و «مِنْ » للتبعيض ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية ، على أنها ولدت من القانتين ؛ لأنها من أعقاب هارون أخي موسى صلوات الله على نبيِّنا وعليهما وعلى سائر الأنبياء وآلهم .
قال الزمخشري{[57290]} : فإن قلت : لم قيل : { مِنَ القانتين } على التذكير ؟ .
قلت : القنوت صفة تشمل من قنت من القبيلين فغلب ذكوره على إناثه .
ويجوز أن يرجع إلى أهل بيتها ، فإنهم كانوا مطيعين لله ، والقنوت : الطاعة .
وقال عطاء : من المصلّين بين المغرب والعشاء{[57291]} .
وعن معاذ بن جبلٍ : «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها : أتكرهين ما قد نزل بك ، وقد جعل اللَّهُ في الكره{[57292]} خيراً ، فإذا قدمت على ضراتك فأقرئيهنّ منِّي السَّلام مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم وكليمة - أو قال : حليمة - بنت عمران أخت موسى بن عمران ، فقالت : بالرفاء والبنين يا رسول الله »{[57293]} .
[ قال ابن الأثير{[57294]} : الرفاء والبنين : الالتئام والاتفاق والبركة والنَّماء ، وهو مهموز .
وذكره الهروي في «المعتلّ » قال : «وهو على معنيين :
أحدهما : الاتفاق وحسن الاجتماع ، والآخر : من الهدوء والسكون ، وأما المهموز فمن قولهم : رَفَأتُ الثَّوب رفاءً ، ورفوتُه رفواً » انتهى ]{[57295]} .
وروى قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «حَسْبُكُ مِنْ نِسَاءِ العَالمينَ أربعٌ : مَريَمُ ابْنَةُ عِمرانَ ، وخَدِيجَةُ بنتُ خُويْلِدٍ ، وفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وآسيةُ بِنْتُ مُزاحِمٍ امرأةُ فِرْعَونَ »{[57296]} .
روى الثعلبي عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ سُورةَ { يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ } أعطاهُ اللَّهُ تَوْبَةٌ نَصُوحاً »{[1]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.