مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

قوله تعالى : { ما كذب الفؤاد ما رأى } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الفؤاد فؤاد من ؟ نقول المشهور أنه فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم معناه أنه ما كذب فؤاده واللام لتعريف ما علم حاله لسبق ذكر محمد عليه الصلاة والسلام في قوله { إلى عبده } وفي قوله { وهو بالأفق الأعلى } وقوله تعالى : { ما ضل صاحبكم } ويحتمل أن يقال { ما كذب الفؤاد } أي جنس الفؤاد لأن المكذب هو الوهم والخيال يقول كيف يرى الله أو كيف يرى جبريل مع أنه ألطف من الهوى والهواء لا يرى ، وكذلك يقول الوهم والخيال إن رأى ربه رأى في جهة ومكان وعلى هيئة والكل ينافي كون المرئي إلها ، ولو رأى جبريل عليه السلام مع أنه صار على صورة دحية أو غيره فقد انقلبت حقيقته ولو جاز ذلك لارتفع الأمان عن المرئيات ، فنقول رؤية الله تعالى ورؤية جبريل عليه السلام على ما رآه محمد عليه الصلاة والسلام جائزة عند من له قلب فالفؤاد لا ينكر ذلك ، وإن كانت النفس المتوهمة والمتخيلة تنكره .

المسألة الثانية : ما معنى { ما كذب } ؟ نقول فيه وجوه : ( الوجه الأول ) ما قاله الزمخشري وهو أن قلبه لم يكذب وما قال إن ما رآه بصرك ليس بصحيح ، ولو قال فؤاده ذلك لكان كاذبا فيما قاله وهو قريب مما قاله المبرد حيث قال : معناه صدق الفؤاد ، فيما رأى ، رأى شيئا فصدق فيه ( الثاني ) قرئ { ما كذب الفؤاد } بالتشديد ومعناه ما قال إن المرئي خيال لا حقيقة له الثالث : هو أن هذا مقرر لما ذكرنا من أن محمدا صلى الله عليه وسلم ، لما رأى جبريل عليه السلام خلق الله له علما ضروريا علم أنه ليس بخيال وليس هو على ما ذكرنا قصد الحق ، وتقديره ما جوز أن يكون كاذبا وفي الوقوع وإرادة نفي الجواز كثير قال الله تعالى : { لا يخفى على الله منهم شيء } وقال : { لا تدركه الأبصار } وقال : { وما ربك بغافل } والكل لنفي الجواز بخلاف قوله تعالى : { لا نضيع أجر المحسنين } و{ لا نضيع أجر من أحسن عملا } و{ لا يغفر أن يشرك به } فإنه لنفي الوقوع .

المسألة الثالثة : الرائي في قوله { ما رأى } هو الفؤاد أو البصر أو غيرهما ؟ نقول فيه وجوه : ( الأول ) الفؤاد كأنه تعالى قال : { ما كذب الفؤاد } ما رآه الفؤاد أي لم يقل إنه جني أو شيطان بل تيقن أن ما رآه بفؤاده صدق صحيح الثاني : البصر أي { ما كذب الفؤاد } ما رآه البصر ، ولم يقل إن ما رآه البصر خيال { الثالث } ما كذب الفؤاد ما رأى محمد عليه الصلاة والسلام ، وهذا على قولنا الفؤاد للجنس ظاهر أي القلوب تشهد بصحة ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم من الرؤيا وإن كانت الأوهام لا تعترف بها .

المسألة الرابعة : ما المرئي في قوله { ما رأى } ؟ نقول على الاختلاف السابق والذي يحتمل الكلام وجوه ثلاثة : ( الأول ) الرب تعالى ( والثاني ) جبريل عليه السلام ( والثالث ) الآيات العجيبة الإلهية ، فإن قيل كيف تمكن رؤية الله تعالى بحيث لا يقدح فيه ولا يلزم منه كونه جسما في جهة ؟ نقول ، اعلم أن العاقل إذا تأمل وتفكر في رجل موجود في مكان ، وقال هذا مرئي الله تعالى يراه الله ، وإذا تفكر في أمر لا يوجد أصلا وقال هذا مرئي الله تعالى يراه الله تعالى يجد بينهما فرقا وعقله يصحح الكلام الأول ويكذب الكلام الثاني ، فذلك ليس بمعنى كونه معلوما لأنه لو قال الموجود معلوم الله والمعدوم معلوم الله لما وجد في كلامه خللا واستبعادا فالله راء بمعنى كونه عالما ، ثم إن الله يكون رائيا ولا يصير مقابلا للمرئي ، ولا يحصل في جهة ولا يكون مقابلا له ، وإنما يصعب على الوهم ذلك من حيث إنه لم ير شيئا إلا في جهة فيقول إن ذلك واجب ، ومما يصحح هذا أنك ترى في الماء قمرا وفي الحقيقة ما رأيت القمر حالة نظرك إلى الماء إلا في مكانه فوق السماء فرأيت القمر في الماء ، لأن الشعاع الخارج من البصر اتصل به فرد الماء ذلك الشعاع إلى السماء ، لكن وهمك لما رأى أكثر ما رآه في المقابلة لم يعهد رؤية شيء يكون خلفه إلا بالتوجه إليه ، قال إني أرى القمر ، ولا رؤية إلا إذ كان المرئي في مقابلة الحدقة ولا مقابل للحدقة إلا الماء ، فحكم إذن بناء على هذا أنه يرى القمر في الماء ، فالوهم يغلب العقل في العالم لكون الأمور العاجلة أكثرها وهمية حسية ، وفي الآخرة تزول الأوهام وتنجلي الأفهام فترى الأشياء لوجودها لا لتحيزها ، واعلم أن من ينكر جواز رؤية الله تعالى ، يلزمه أن ينكر جواز رؤية جبريل عليه السلام ، وفيه إنكار الرسالة وهو كفر ، وفيه ما يكاد أن يكون كفرا ، وذلك لأن من شك في رؤية الله تعالى يقول لو كان الله تعالى جائز الرؤية لكان واجب الرؤية لأن حواسنا سليمة ، والله تعالى ليس من وراء حجاب ولا هو في غاية البعد عنا لعدم كونه في جهة ولا مكان فلو جاز أن يرى ولا نراه ، للزم القدح في المحسوسات المشاهدات ، إذ يجوز حينئذ أن يكون عندنا جبل ولا نراه ، فيقال لذلك القائل قد صح أن جبريل عليه السلام كان ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم وعنده غيره وهو يراه ولو وجب ما يجوز لرآه كل أحد ، فإن قيل إن هناك حجابا نقول وجب أن يرى هناك حجابا فإن الحجاب لا يحجب إذا كان مرئيا على مذهبهم ، ثم إن النصوص وردت أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده فجعل بصره في فؤاده أو رآه ببصره فجعل فؤاده في بصره ، وكيف لا ، وعلى مذهب أهل السنة الرؤية بالإرادة لا بقدرة العبد ، فإذا حصل الله تعالى العلم بالشيء من طريق البصر كان رؤية ، وإن حصله من طريق القلب كان معرفة والله قادر على أن يحصل العلم بخلق مدرك للمعلوم في البصر كما قدر على أن يحصله بخلق مدرك في القلب ، والمسألة مختلف فيها بين الصحابة في الوقوع واختلاف الوقوع مما ينبئ عن الاتفاق على الجواز والمسألة مذكورة في الأصول فلا نطولها .

   
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

وهي حال لا يتأتى معها كذب في الرؤية ، ولا تحتمل مماراة أو مجادلة : ( ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ) . . ورؤية الفؤاد أصدق وأثبت ، لأنها تنفي خداع النظر . فلقد رأى فتثبت فاستيقن فؤاده أنه الملك ، حامل الوحي ، رسول ربه إليه ، ليعلمه ويكلفه تبليغ ما يعلم . وانتهى المراء والجدال ، فما عاد لهما مكان بعد تثبت القلب ويقين الفؤاد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

{ ما كذب الفؤاد ما رأى } ما رأى ببصره من صورة جبريل عليه السلام أو الله تعالى ، أي ما كذب بصره بما حكاه له فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر ، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك كان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره ، أو ما رآه بقلبه والمعنى أنه لم يكن تخيلا كاذبا . ويدل عليه " أنه صلى الله عليه وسلم سئل هل رأيت ربك ؟ فقال رأيته بفؤادي " . وقرأ هشام ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

قوله جلّ ذكره : { مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى } .

ما كذَّبَ فؤادُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من الآيات . وكذلك يقال : رأى ربَّه تلك الليلة على الوصف الذي عَلِمَه قبل أن يراه .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

{ ما كذب الفؤاد ما رأى } أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم

ما رآه ببصره من صورة جبريل ؛ أي ما قال فؤاده لما رآه ببصره : لم أعرفك . ولا يمكن أن يقول ذلك ! لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

شرح الكلمات :

{ ما كذب الفؤاد ما رأى } : أي ما كذب فؤاد النبي ما رأى ببصره من صورة جبريل عليه السلام .

وقوله { ما كذب الفؤاد ما رأى } أي ما كذب فؤادُ محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه محمد ببصره وهو جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى عليها ذات الستمائة جناح طول الجناح ما بين المشرق والمغرب .

/ذ18

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

{ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } أي : اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره ، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وأنه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب ، فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره ، ولم يشك بذلك . ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، من آيات الله العظيمة ، وأنه تيقنه حقا بقلبه ورؤيته ، هذا [ هو ] الصحيح في تأويل الآية الكريمة ، وقيل : إن المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء ، وتكليمه إياه ، وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله ، فأثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا ، ولكن الصحيح القول الأول ، وأن المراد به جبريل عليه السلام ، كما يدل عليه السياق ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الأصلية [ التي هو عليها ] مرتين ، مرة في الأفق الأعلى ، تحت السماء الدنيا كما تقدم ، والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال :{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }