قوله : «مَا كَذَبَ » قرأ هشامٌ وأبو جَعْفَر بتشديد الذال والباقون بتخفيفها{[53432]} .
فأما الأولى فإن معناها أن ما رآه محمد بعينه صدَّقه قلبهُ ولم ينكره أي لم يقل : لم أعرفْكَ و( ما ) مفعول به موصولة والعائد محذوف ففاعل ( رأى ) ضمير يعود على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما قراءة التخفيف فقيل كذلك . و«كَذَبَ » يتعدى بنفسه وقيل : هو على إسقاط الخافض أي فيما رآه قاله مكي{[53433]} وغيره{[53434]} فأسقط حرف الصفة ، قال حسان :
لَوْ كُنْتِ صَادِقَة الَّذِي حَدَّثْتِنِي *** لَنَجوْتُ مَنْجَى الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ{[53435]}
وجوز في ( ما ) وجهين{[53436]} آخرين :
والثاني : أن تكون مصدرية ويجوز أن يكون فاعل ( رأى ) ضميراً يعود على الفؤاد أي لم يشك قلبه فيما رآه بعَيْنِهِ{[53437]} .
قال الزمخشري معناه : أن قلبه لم يكذب وما قال إن من يراه بصرك ليس بصحيح ولو قال فؤاده ذلك لكان كاذباٌ فيما قاله{[53438]} فما كذب الفؤاد . هذا على قراءة التخفيف ، يقال : كَذَبَهُ إِذَا قال له الكَذِبَ .
وأما قراءة التشديد فمعناه ما قال : إن المرئيَّ خيالٌ لا حقيقةٌ{[53439]} .
وأما الرائي فقيل : هو الفؤاد كأنه تعالى قال : ما كذب الفؤادُ ما رآه الفؤاد أي لم يقل : إنه هاجس شيطان بل تيقن أن ما رآه بفؤاده صدق صحيح . وقيل : الرائي هو البصر أي ما كذب الفؤاد ما رآه البصر خيال . وقيل : ما كذب الفؤاد وما رأى محمد - عليه الصلاةُ والسلامُ - وعلى هذا فالمراد بالفؤاد الجنس ؛ أي القلوب شهدت بصحة ما رآه محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وأمَّا المرئي فقيل : هو الرب تعالى . وقيل : جبريل - عليه الصلاة والسلام - وقيل : الآيات العجيبةُ الإلهيَّة . فالقائل بأن المرئي جبريل - عليه الصلاة والسلام - هو ابنُ مسعودٍ وعائشةُ - رضي الله عنهما - ومن قال بأن المرئيَّ هو الله تعالى اختلفوا في معنى الرؤية ، فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده . وهو قول ابن عباس ، قال : رآه بفؤاده مرتين { مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى } { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى } . وقال أنس والحسن وعكرمة : رأى محمدٌ ربَّه بعينيه . وروى عكرمة عن ابن عباس ( رضي الله{[53440]} عنهما ) قال : «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى إبْرَاهيمَ بالخلَّةِ ، واصْطَفَى مُوسَى بالكَلاَم ، واصْطَفَى مُحَمَّداً بالرُّؤْيَةِ - صلى الله عليه وسلم » . وكانت عائشة - رضي الله عنها - تقول : لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم - ربه . وتحمل الرؤية على رؤية جبريل . وقال مسروق : قلت لعائشة : يا أمَّتاه هل رأى محمدٌ رَبَّه ؟ فقالت : لقد قفَّ شعري لما قلت أين أنت من ثلاث من حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ ، من حَدَّثَكَ أنَّ محمداً رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأتْ : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار وَهُوَ اللطيف الخبير } [ الأنعام : 103 ] { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ } [ الشورى : 51 ] ومن حَدَّثَك أنه يَعْلم مَا في غَدٍ فقد كَذَب ثم قرأت : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً } [ لقمان : 34 ] ومن حدّثك أنه كَتَم شيئاً مما أنْزل الله فقد كذب ثم قرأت : { يا أيها الرسول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } الآية [ المائدة : 67 ] ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين . وروى أبو ذر قال : «سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل رأيت ربك قط ؟ قال : نُورٌ أنَّى أَرَاهُ »{[53441]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.