تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

الآية 11 وقوله تعالى : { ما كذَب الفؤاد ما رأى } قُرئ { كَذَبَ } مخفّف الذال ومشدّدة{[20049]} . فمن قرأ بالتخفيف ، أي ما كَذَبَ عبدُه في ما رأى ، وقال أبو عُبَيد : ما كذَب في رؤيته أو رؤيتُه قد صدقت .

ومن قرأ بالتشديد أي لم يجعل الفؤاد رؤية العين كذِباً .

وعندنا أي ما ردّ الفؤاد ما رأى البصر . وأصله أن الفؤاد مما يوعى به يكون{[20050]} قد وعى به ، يقول : وعى ما رأى ، لم يتركه ، ولم يضيّعه . وقيل : { ما كذب الفؤاد ما رأى } أي ما علم . والرؤية كناية عن العلم . لكن لو كان المراد منه العلم لا يُحتمل ما ذكر : { ولقد رآه نزلةً أخرى } [ الآية : 13 ] ولا يُتصوّر أن يُعلَّم مرّتين ، وقد{[20051]} ذكر أنه رأى ربه مرّتين ، ولا يحتمل العلم مرّتين . فدلّ أن الحمل على العلم لا يصح .

وأصله عندنا : { ما كَذَب الفؤاد ما رأى } من الآيات . دليله : { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } [ الآية : 18 ] وقال : { ولقد رآه نزلة أخرى } [ الآية : 13 ] .

وعن الحسن [ أنه قال : ]{[20052]} رأى عظمة من عظمات{[20053]} الله وأمرا من أموره{[20054]} ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : رأى جبرائيل عليه السلام على صورته مرّتين ، أي ما كذَب ما رأى البصر جبرائيل عليه السلام ولقد رآه أيضا مرة أخرى { عند سِدرة المنتهى } [ الآية : 14 ] .

ومنهم من قال : إنه رأى ربه على العِيان بعينه ، فه خلاف ما ثبت من وعد الرؤية في الآخرة بالكتاب والسّنة المتواترة ، ولأنه لو رأى ربه تعالى ما قالوا لكان لا يحتاج إلى أن يرى آياته الكبرى [ الآية : 18 ] لأن رؤية الآيات إنما يحتاج إليها عندما يعرف الشيء عند الاجتهاد .

فأما عند المشاهد وارتفاع الموانع فلا حاجة يقع إليها إلا أن يقال برؤية القلب ما ذُكر من الخبر أنه سُئل عن ذلك ، فقيل : ( هل رأيت ربك ؟ فقال : رأيته مرّتين بقلبي ) . وفي بعض الأخبار [ أنه ]{[20055]} قال : ( أما بعيني فلا ، وأما بفؤادي فقد رأيته مرّتين ) [ السيوطي في الدر المنثور 7/648 ] ويفسّرون رؤية القلب بالعلم ، ولكن الإشكال عليه ما ذكرنا . فإن ثبت الحديث فهو على ما كان واردا ، لا يفسّره ذلك . وكذلك قول من يقول في قوله تعالى : { ثم دنا فتدلّى } { فكان قاب قوسين أو أدنى } [ الآيتان : 8 و9 ] : إنه دنا من ربه قول وحش ، فيه إثبات المكان والتّشبيه ، تعالى الله عن ذلك .

ولكنّ المراد ما ذكرنا أن رسول الله تعالى دنا من جبرائيل عليه السلام على ما ذكرنا .

ثم في قوله تعالى : { ما كذَب الفؤاد ما رأى } [ الآية : 11 ] وقوله تعالى : { ولقد رآه نزلة أخرى } { عند سدرة المنتهى } [ الآيتان : 13 و14 ] إلى آخره ذكر خصوصية رسولنا صلى الله عليه وسلم من بين غيره من الخلائق : منها رؤية جبرائيل عليه السلام على صورته ، ورؤية الربّ تعالى بقلبه ، إن ثبت الحديث عنه : وبُلوغه سدرة المنتهى ، إذ لم يُذكر لأحد من رُسُل الله تعالى أنه بلغ هذا المبلغ سواه .


[20049]:انظر معجم القراءات القرآنية ج7/9.
[20050]:في الأصل وم: يقول.
[20051]:في الأصل وم: وكذا.
[20052]:في الأصل وم: أي.
[20053]:في الأصل وم: عظمة.
[20054]:في الأصل وم: أمره.
[20055]:في الأصل وم: وارد.