فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

{ ما كذب الفؤاد ما رأى } أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره ليلة المعراج رؤية حقيقية ، يقال كذبه إذا قال له الكذب ولم يصدقه ، قال المبرد ؛ معنى الآية أنه رأى شيئا فصدق به قرئ ما كذب مخففا ، وبالتشديد وهما سبعيتان ، وما في رأى موصولة أو مصدرية قال ابن مسعود في الآية : " رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف أخضر قد ملأ ما بين السماء والأرض " {[1545]} أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه ؛ والبيهقي وغيرهم ، وبه قالت عائشة ؛ وقيل : هو الله عز وجل رآه بعين رأسه وقيل بقلبه وقيل جعل بصره في فؤاده ، والكلام على هذه المسألة مستوفى في موطنه .

وقد تكلم عليه القاضي عياض في الشفاء ، والخفاجي في شرحه والقسطلاني في شرح المواهب اللدنية ، والنووي ، وقال : والحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه عز وجل بعيني رأسه ليلة الإسراء وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه انتهى .

قال سليمان الجمل : وحاصل المسألة أن الصحيح ثبوت الرؤية وهو ما جرى عليه ابن عباس حبر الأمة ، وهو الذي يرجع إليه في المعضلات ، وقد راجعه ابن عمر فأخبره بأنه رآه ، ولا يقدح في ذلك حديث عائشة لأنها لم تخبر أنها سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لم أر ، وإنما اعتمدت على الاستنباط مما تقدم ، وجوابه ظاهر ؛ فإن الإدراك هو الإحاطة والله تبارك وتعالى لا يحاط به وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة ، وأجيب عن احتجاجها بقوله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } بأنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية من غير كلام ، وبأنه عام مخصوص .


[1545]:رواه الحاكم.