ثم قال تعالى : { أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى } لما قرر الرسالة ذكر ما ينبغي أن يبتدئ به الرسول وهو التوحيد ومنع الخلق عن الإشراك ، فقوله تعالى : { أفرأيتم } إشارة إلى إبطال قولهم بنفس القول كما أن ضعيفا إذا ادعى الملك ثم رآه العقلاء في غاية البعد عما يدعيه يقولون انظروا إلى هذا الذي يدعي الملك ، منكرين عليه غير مستدلين بدليل لظهور أمره ، فلذلك قال : { أفرأيتم اللات والعزى } أي كما هما فكيف تشركونهما بالله ، والتاء في اللات تاء تأنيث كما في المناة لكنها تكتب مطولة لئلا يوقف عليها فتصير هاء فيشتبه باسم الله تعالى ، فإن الهاء في الله أصلية ليست تاء تأنيث وقف عليها فانقلبت هاء ، وهي صنم كانت لثقيف بالطائف ، قال الزمخشري هي فعله من لوى يلوي ، وذلك لأنهم كانوا يلوون عليها ، وعلى ما قال فأصله لوية أسكنت الياء وحذفت لالتقاء الساكنين فبقيت لوه قلبت الواو ألفا لفتح ما قبلها فصارت لات ، وقرئ اللات بالتشديد من لت ، قيل إنه مأخوذ من رجل كان يلت بالسمن الطعام ويطعم الناس فعبد واتخذ على صورته وثن وسموه باللات ، وعلى هذا فاللات ذكر ، وأما العزى فتأنيث الأعز وهي شجرة كانت تعبد ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه فقطعها وخرجت منها شيطانة مكشوفة الرأس منشورة الشعر تضرب رأسها وتدعوا بالويل والثبور فقتلها خالد وهو يقول :
يا عز كفرانك لا سبحانك *** إني رأيت الله قد أهانك
ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما رأى وفعل فقال تلك العزى ولن تعبد أبدا .
{ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ( 19 ) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ( 20 ) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ( 21 ) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ( 22 ) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ( 23 ) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ( 24 ) فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى ( 25 ) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى( 26 ) }
اللات : صنم لثقيف ، وأصل ذلك أن رجلا كان يلتّ السويق للحاج ، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه ، ويُظنّ أن ( اللات ) مؤنث لفظ الجلالة ( الله ) سبحانه وتعالى :
العزى : شجرة عليها بناء وأستار بنخلة ، وهي بين مكة والطائف ، وكانت قريش تعظمها ، كما قال أبو سفيان يوم أُحُد : ( لنا العزى ولا عزّى لكم ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله مولانا ولا مولى لكم " ، ويظنّ أن العزّى مؤنث العزيز .
مناة : صخرة بالمشلل ، عند قديد بين مكة والمدينة ، وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتهم يعظمونها ، ويهلّون منها للحج إلى الكعبة ، وكانت دماء النسائك تمنى عندها ، أي : تراق .
الأخرى : المتأخرة الوضيعة القدر .
19-20- { أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى } .
هذه أصنام كانت تعبدها العرب في الجاهلية ، وهنا يقرعهم القرآن ويوبخهم على عبادتهم لها ، وهي لا تملك أن تخلق مثل هذا الكون ، ولا تملك أن تختار رسولا مثل محمد ، ولا أن تختار ملاكا مثل جبريل ينزل بالوحي ، فلماذا يتركون الله العظيم القادر الخالق الرازق ، ويتجهون بعبادتهم إلى هذه الأصنام ، ومن هذه الأصنام :
( أ ) اللات : وكانت صخرة بيضاء منقوشا عليها نقوش ، وهي داخل بيت بالطائف ، له أستار وسدنة ، وحوله فناء معظم عند أهل الطائف ، وقيل : إن اللات رمز لرجل كان يلتُّ السويق للحاج على حجر ، فلما مات عبدوا ذلك الحجر إجلالا له ، وسموه بذلك ، وبقيت اللات إلى أن أسلمت ثقيف ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار .
( ب ) العزّى : وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة ، بين مكة والطائف لغطفان ، وكانت قريش تعظمها ، كما قال أبو سفيان يوم أحد : لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم " x .
وقد ذهب خالد بن الوليد إلى العزّى فهدمها ، وهو يقول :
يا عزّ كفرانك لا سبحانك *** إني رأيت الله قد أهانك
( أ ) مناة : وكانت بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة ، وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ، ويهلّون منها للحج إلى الكعبة ، وتذبح عندها القرابين ، وسميت ( مناة ) لأن الدماء كانت تمنى عندها ، أي : تراق .
وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فهدمها عام الفتح .
" وكانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخرى ، تعظمها العرب كتعظيم الكعبة ، غير هذه الثلاثة التي نصَّت عليها الآية ، وإنما أفردت هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها " . xi
كانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت ، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحُجّاب ، تطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها .
وخلاصة المعنى : أخبروني يا معشر الكفار عن هذه الآلهة التي تعبدونها – اللات والعزّى ومناة – هل لها من القدرة والعظمة والخلق والإبداع مثل الله تعالى حتى عبدتموها ، وطفتم حولها ، وزعمتم أنها آلهة ؟
{ 19-25 } { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى * أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى }
لما ذكر تعالى ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق ، والأمر بعبادة الله وتوحيده ، ذكر بطلان ما عليه المشركون من عبادة من ليس له من أوصاف الكمال شيء ، ولا تنفع ولا تضر ، وإنما هي أسماء فارغة عن المعنى ، سماها المشركون هم وآباؤهم الجهال الضلال ، ابتدعوا لها من الأسماء الباطلة التي لا تستحقها ، فخدعوا بها أنفسهم وغيرهم من الضلال ، فالآلهة التي بهذه الحال ، لا تستحق مثقال ذرة من العبادة ، وهذه الأنداد التي سموها بهذه الأسماء ، زعموا أنها مشتقة من أوصاف هي متصفة بها ، فسموا " اللات " من " الإله " المستحق للعبادة ، و " العزى " من " العزيز "
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.