قوله تعالى : " أفرأيتم اللات والعزى " لما ذكر الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر من آثار قدرته ما ذكر ، حاج المشركين إذ عبدوا ما لا يعقل وقال{[14375]} : أفرأيتم هذه الآلهة التي تعبدونها أو حين إليكم شيئا كما أوحي إلى محمد . وكانت اللات لثقيف ، والعزى لقريش وبني كنانة ، ومناة لبني هلال{[14376]} . وقال هشام : فكانت مناة لهذيل وخزاعة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فهدمها عام الفتح . ثم اتخذوا اللات بالطائف ، وهي أحدث من مناة وكانت صخرة مربعة ، وكان سدنتها من ثقيف ، وكانوا قد بنوا عليها بناء ، فكانت قريش وجميع العرب تعظمها . وبها كانت العرب تسمي زيد اللات وتيم اللات . وكانت في موضع منارة{[14377]} مسجد الطائف اليسرى ، فلم تزل كذلك إلى أن أسلمت ثقيف ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار . ثم اتخذوا العزى وهي أحدث من اللات ، اتخذها ظالم بن أسعد ، وكانت بوادي نخلة الشامية فوق ذات عرق ، فبنوا عليها بيتا وكانوا يسمعون منها{[14378]} الصوت . قال ابن هشام : وحدثني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كانت العزى شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة ، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال : ( ايت بطن نخلة فإنك تجد ثلاث سمرات فاعضد الأولى ) فأتاها فعضدها فلما جاء إليه قال : ( هل رأيت شيئا ) قال : لا . قال : ( فاعضد الثانية ) فأتاها فعضدها ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( هل رأيت شيئا ) قال : لا . قال : ( فاعضد الثالثة ) فأتاها فإذا هو بحبشية نافشة شعرها ، واضعة يديها على عاتقها تصرف بأنيابها ، وخلفها دُبَيّة{[14379]} السلمي وكان سادنها فقال :
يا عُزّ كفرانك لا سبحانك *** إني رأيت الله قد أهانك
ثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي حُمَمَة ، ثم عضد الشجرة وقتل دُبَيّة السادن ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : ( تلك العزى ولن تعبد أبدا ) وقال ابن جبير : العزى حجر أبيض كانوا يعبدونه . قتادة : نبت{[14380]} كان ببطن نخلة . ومناة : صنم لخزاعة . وقيل : إن اللات فيما ذكر بعض المفسرين أخذه المشركون من لفظ{[14381]} الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من منى الله الشيء إذا قدره . وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وحميد وأبو صالح " اللات " بتشديد التاء وقالوا : كان رجلا يلت السويق للحاج ذكر البخاري عن ابن عباس - فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه . ابن عباس : كان يبيع السويق والسمن عند صخرة ويصبه عليها ، فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف تلك الصخرة إعظاما لصاحب السويق . أبو صالح : إنما كان رجلا بالطائف فكان يقوم على ألهتهم ويلت لهم السويق فلما مات عبدوه . مجاهد : كان رجل في رأس جبل له غنيمة يَسْلِي{[14382]} منها السمن ويأخذ منها الأقط ويجمع رسلها ، ثم يتخذ منها حيسا{[14383]} فيطعم الحاج ، وكان ببطن نخلة فلما مات عبدوه وهو اللات . وقال الكلبي : كان رجلا من ثقيف يقال له صرمة بن غنم . وقيل : إنه عامر بن ظرب العدواني . قال الشاعر{[14384]} :
لا تنصروا اللاتَ إن الله مُهْلِكُها *** وكيفَ ينصركم من ليس ينتصر
والقراءة الصحيحة " اللات " بالتخفيف اسم صنم والوقوف عليها بالتاء وهو اختيار الفراء . قال الفراء : وقد رأيت الكسائي سأل أبا فقعس الأسدي{[14385]} فقال ذاه لذات ولاه للات ، وقرأ " أفرأيتم اللاه " وكذا قرأ الدوري عن الكسائي والبزي عن ابن كثير " اللاه " بالهاء في الوقف ، ومن قال : إن " اللات " من الله وقف بالهاء أيضا . وقيل : أصلها لاهة مثل شاة أصلها شاهة وهي من لاهت أي اختفت ، قال الشاعر :
لاهتْ فما عُرِفت يوما بخارجة *** يا ليتها خرجت حتى رأيناها
وفي الصحاح : اللات اسم صنم كان لثقيف وكان بالطائف ، وبعض العرب يقف عليها بالتاء ، وبعضهم بالهاء ، قال الأخفش : سمعنا من العرب من يقول اللات والعزى ، ويقول هي اللات فيجعلها تاء في السكوت وهي اللات فأعلم أنه جر في موضع الرفع ، فهذا مثل أمس مكسور على كل حال وهو أجود منه ؛ لأن الألف واللام اللتين في اللات لا تسقطان وإن كانتا زائدتين ، وأما ما سمعنا من الأكثر في اللات والعزى في السكوت عليها فاللاه ؛ لأنها هاء فصارت تاء في الوصل وهي في تلك اللغة مثل : كان من الأمر كيت وكيت ، وكذلك هيهات في لغة من كسرها ، إلا أنه يجوز في هيهات أن تكون جماعة ولا يجوز ذلك في اللات ؛ لأن التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف ، وإن جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.