قوله : { أَفَرَأَيْتُمُ اللاّت والعزّى } لما قرر الرسالة ذكر ما ينبغي أن يبتدئ به الرسول وهو التوحيد ومنع الخلق عن الإشراك ، فقوله : «أَفَرَأيْتُمْ » إشارة إلى إبطال قولهم بنفس القول كما إذا ادعى ضعيفٌ الملكَ ثم رآه العقلاء في غاية البعد عما يدعيه يقولون : انْظُرُوا إلى هذا الذي يدعي المُلْكَ منكرين عليه غير مستدلين بدليل لظهور أمره فكذلك قال : { أَفَرَأَيْتُمُ اللاّت والعزّى } أي كما هما فكيف تشركونهما بالله ؟{[53511]}
والألف واللام في ( اللات ) زائدة لازمة ، فأما قوله :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** إلَى لاَتِهَا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[53512]}
وقيل : هي والعزى علمان بالوَضْع ، أو صفتان غَالِبَتَانِ{[53513]} ؟ خلاف . ويترتب على ذلك جواز صدق «أَل » وعدمه .
فإن قلنا : إنهما ليسا وصفين في الأصل فلا تحذف منهما «أل » . وإن قلنا : إنهما صفتان وإنّ «أَلْ » لِلَمْحِ الصفة جاز ، وبالتقديرين «فأل » زائدة . وقال أبو البقاء : وقيل : هما صفتان غالبتان مثل الْحَارِث والْعَبَّاس فلا تكون أل زائدة{[53514]} . انتهى .
قال شهاب الدين : وهو غلط ، لأن التي للمح الصفة منصوص على زيادتها{[53515]} بمعنى أنها لم تُؤْثِر تَعْريفاً . واختلف في تاء اللات ، فقيل : أصل{[53516]} وأصله من لاَتَ يَلِيتُ فألفها عن ياء ، فإن مادة «ل ي ت » موجودة . وقيل : زائدة وهي من لَوَى يَلْوِي ، لأنهم كانوا يلوون أعْنَاقَهُمْ إليها ، أو يلتوون أي يَعْتَكِفُونَ عليها . وأصلها لَوْيَةٌ فحذفت لامها ، فألفها على هذا ( بدلٌ ) {[53517]} من واو{[53518]} .
قال الزمخشري : هي فَعْلَة من لَوَى يَلْوِي{[53519]} ، وعلى هذا فأصلها لوية فسكنت الياء وحذفت لالتقاء الساكنين ، بقيت لَوْة فقلبت الواو ألفاً لفتح ما قبلها فصارت «لاَت » . واخْتَلَف القُرَّاءُ في الوقف على تائها فوقف الكسائي عليها بالهاء{[53520]} . والباقون بالتاء . وهو{[53521]} مبني على القولين المتقدمين .
فمن اعتقد تاءها أصلية أَقرها في الوقت كتَاء بِنْتٍ ، ومن اعتقد زيادتها وقف عليها هاءً .
قال ابن الخطيب : والتاء في اللات تاء تأنيث كما في المَنَاة لكنها تكتب ممطوطةً لئلا يوقف عليها فتصير هاءً فتشبه باسم ( الله ) فإن الهاء في ( الله ) أصلية ليست تاءَ تأنيث ووقف عليها فانقلبت هاءً{[53522]} .
واللاَّتُ اسمُ صنم . وقيل : كان لثقيف بالطائف . قاله قتادة . وقيل : بعُكَاظ . وقال زيد : بيت بنخلة . وقيل : صنم . ورجح ابن عطية الأول لقول الشاعر :
وَفَرَّتْ ثَقِيفٌ إلى لاَتِهَا *** بمُنْقَلَبِ الْخَائِبِ الْخَاسِرِ{[53523]}
وقرأ ابن عباس ، ومجاهدٌ ، ومنصورُ بن المُعْتَمِر ، وأبو الجَوْزَاء ، وأبو صالح وابنُ كثير - في رواية - بتشديد التاء{[53524]} .
فقيل : هو رجل كان يَلِتُّ السَّوِيقَ ، ويُطْعِمهُ الْحَاجَّ ، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه ، فهو اسم فاعل في الأصل غلب على هذا الرجل وكان يجلس عند حجر ، فلما مات سمي الحجر باسمه وعُبِدَ من دون الله . وقال مجاهد : كان في رأس جبل له غنيمة يَسْلأُ{[53525]} منها السَّمْنَ ويأخذ منها الأَقطَ{[53526]} ويجمع رسلها ويتخذ منه حيساً فيطعم الحاج وكان ببطن النخلة فلما مات عبدوه وهو اللات . وقال الكلبي : كان رجلاً من ثقيف يقال له : صَرْمَة بن غَنْم وكان يَسْلأُ السَّمن فيضعه على صخْرة ، ثم تأتيه العرب فتلتُّ به أَسْوِقَتَهُمْ ، فلما مات الرجل حَوَّلَتْهَا ثَقيفٌ إلى منازلها فعبدتها{[53527]} . وقال القرطبي : كانت صخرة مربَّعة وكان سَدَنَتُها من ثقيف وكانوا قد بنوا عليها بناءً ، فكانت قريش وجميع العرب تعظمها وبها كانت العربُ تسمّي زيدَ اللاتِ وتَيْمَ اللات ، وكانت في موضع مسجد الطائف اليسرى ، فلم تزل كذلك إلى أن أسلمت ثقيفٌ . فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا{[53528]} فَهَدَمَهَا وحَرَقَها بالنار ، ثم اتخذ العرب العزى وهي أحدث من اللات ، اتخذها ظالمُ بن سَعِيد{[53529]} .
والعزى : فعلى من العز وهي تأنيث الأعَزّ كالفُضْلَى والأَفْضَل . وهي اسم صنم . وقيل : شجرة كانت تُعبد .
قال مجاهد : هي شجرة كانت بغَطَفَان كانوا يعبدونها ، فبعث النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خالدَ بن الوليد فقطعها فجعل خالدٌ يضربُها بالفَأس ويقول :
يَا عُزَّ كُفْرَانَكِ لاَ سُبْحَانَك *** إنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ{[53530]}
فخرجت منها شيطانة مكشوفة الرأس ، ناشرةً شعرها ، تضرب رأسَها وتدعو بالوَيْل والثُّبُور فقتلها خالد .
وروي أَنَّ خالداً لما قطع الشجرة رجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : قد قَطَعْتُها ، فقال : ما رأيت ؟ قال : ما رأيت شيئاً . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما بلغت . فعاودها ومعه المعول فقلعها واجتثَّ أصلها فخرجت منها امرأة عُرْيَانة فقتلَها ، ثم رَجَعَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – وأخبره بذلك فقال : تلك العُزَّى ، ولن تُعْبَدَ أبداً .
وقال الضحاك : هو صنم لغَطَفَان وضعها لهم سعدُ بن ظالم الغَطَفَانِيّ . وذلك أنه قَدِمَ مكة فرأى الصَّفَا والمَرْوَة ، ورأى أهل مكة يطوفون بينهما فعاد إلى بطن نخلة وقال لقومه : إن لأهلِ مكة الصَّفَا والمَرْوَةَ وليستَا لكم ولهم إله يعبدونه وليس لكم قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : أنا أصنع لكم ذلك ، فأخذ حجراً من الصفا وحجراً من المروة ونقلهما إلى نخلة فوضع الذي أخذ من الصَّفا فقالَ : هذا الصفا ثم وضع الذي أخذ من المروة فقال : هذا المروة ثم أخذ ثلاثة أحجار فأسندها إلى شجرة وقال : هذا ربكم فجعلوا يطوفون بين الحَجَريْن ويعبدون الحجارة حتى افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة فأمر برفع الحجارة ، وبعث خالد بن الوليد إلى العُزَّى فقَطَعَها . وقال قتادة وابن زيد : هي بيت بالطائف كانت تعبده ثقيف . وقال ابن جبير العزى حجر أبيض كانوا يعبدونه{[53531]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.