البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ} (19)

{ أفرأيتم } : خطاب لقريش .

ولما قرر الرسالة أولاً ، وأتبعه من ذكر عظمة الله وقدرته الباهرة بذكر التوحيد والمنع عن الإشراك بالله تعالى ، وقفهم على حقارة معبوداتهم ، وهي الأوثان ، وأنها ليست لها قدرة .

واللات : صنم كانت العرب تعظمه .

قال قتادة : كان بالطائف .

وقال أبو عبيدة وغيره : كان في الكعبة .

وقال ابن زيد : كان بنخلة عند سوق عكاظ .

قال ابن عطية : وقول قتادة أرجح ، ويؤيده قوله الشاعر :

وفرت ثقيف إلى لاتها *** بمنقلب الخائب الخاسر

انتهى .

ويمكن الجمع بأن تكون أصناماً سميت باسم اللات فأخبر كل عن صنم بمكانه .

والتاء في اللات قيل أصلية ، لام الكلمة كالباء من باب ، وألفه منقلبة فيما يظهر من ياء ، لأن مادة ليت موجودة .

فإن وجدت مادة من ل و ت ، جاز أن تكون منقلبة من واو .

وقيل : التاء للتأنيث ، ووزنها فعلة من لوى ، قيل : لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة ، أو يلتوون عليها : أي يطوفون ، حذفت لامها .

وقرأ الجمهور : اللات خفيفة التاء ؛ وابن عباس ومجاهد ومنصور بن المعتمر وأبو صالح وطلحة وأبو الجوزاء ويعقوب وابن كثير في رواية : بشدها .

قال ابن عباس : كان هذا رجلاً بسوق عكاظ ، يلت السمن والسويق عند صخرة .

وقيل : كان ذلك الرجل من بهز ، يلت السويق للحجاج على حجر ، فلما مات ، عبدوا الحجر الذي كان عنده ، إجلالاً لذلك الرجل ، وسموه باسمه .

وقيل : سمي برجل كان يلت عنده السمن بالدب ويطمعه الحجاج .

وعن مجاهد : كان رجل يلت السويق بالطائف ، وكانوا يعكفون على قبره ، فجعلوه وثناً .

وفي التحرير : أنه كان صنماً تعظمه العرب .

وقيل : حجر ذلك اللات ، وسموه باسمه .

وعن ابن جبير : صخرة بيضاء كانت العرب تعبدها وتعظمها .

وعن مجاهد : شجيرات تعبد ببلادها ، انتقل أمرها إلى الصخرة .

انتهى ملخصاً .

وتلخص في اللات ، أهو صنم ، أو حجر يلت عليه ، أو صخرة يلت عندها ، أو قبر اللات ، أو شجيرات ثم صخرة ، أو اللات نفسه ، أقوال ، والعزى صنم .

وقيل : سموه لغطفان ، وأصلها تأنيث الأعز ، بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها ، وخرجت منها شيطانة ، ناشرة شعرها ، داعية ويلها ، واضعة يدها على رأسها ؛ فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها ، وهو يقول :

يا عز كفرانك لا سبحانك . . . إني رأيت الله قد أهانك

ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام : « تلك العزى ولن تعبد أبدأ » وقال أبو عبيدة : كانت العزى ومناة بالكعبة . انتهى .

ويدل على هذا قول أبي سفيان في بعض الحروب للمسلمين : لنا عزى ، ولا عزى لكم .

وقال ابن زيد : كانت العزى بالطائف .

وقال قتادة : كانت بنخلة ، ويمكن الجمع ، فإنه كان في كل مكان منها صنم يسمى بالعزى ، كما قلنا في اللات ، فأخبر كل واحد عن ذلك الصنم المسمى ومكانه .