مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ} (10)

ثم قال تعالى : { وحصل ما في الصدور } قال أبو عبيدة ، أي ميز ما في الصدور ، وقال الليث : الحاصل من كل شيء ما بقي وثبت وذهب سواه ، والتحصيل تمييز ما يحصل والاسم الحصيلة قال لبيد :

وكل امرئ يوما سيعلم سعيه *** إذا حصلت عند الإله الحصائل

وفي التفسير وجوه ( أحدها ) : معنى حصل جمع في الصحف ، أي أظهرت محصلا مجموعا ( وثانيها ) : أنه لابد من التمييز بين الواجب ، والمندوب ، والمباح ، والمكروه ، والمحظور ، فإن لكل واحد ومنه قيل للمنخل : المحصل ( وثالثها ) : أن كثيرا ما يكون باطن الإنسان بخلاف ظاهره ، أما في يوم القيامة فإنه تتكشف الأسرار وتنتهك الأستار ، ويظهر ما في البواطن ، كما قال : { يوم تبلى السرائر }

واعلم أن حظ الوعظ منه أن يقال : إنك تستعد فيما لا فائدة لك فيه ، فتبني المقبرة وتشتري التابوت ، وتفصل الكفن ، وتغزل العجوز الكفن ، فيقال : هذا كله للديدان ، فأين حظ الرحمن ! بل المرأة إذا كانت حاملا فإنها تعد للطفل ثيابا ، فإذا قلت لها : لا طفل لك فما هذا الاستعداد ؟ فتقول : أليس يبعثر ما في بطني ؟ فيقول الرب لك : ألا يبعثر ما في بطن الأرض ، فأين الاستعداد ، وقرئ ( وحصل ) بالفتح والتخفيف بمعنى ظهر .