مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{مَا ٱلۡقَارِعَةُ} (2)

{ بسم الله الرحمن الرحيم القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة } اعلم أن فيه مسائل :

المسألة الأولى : القرع الضرب بشدة واعتماد ، ثم سميت الحادثة العظيمة من حوادث الدهر قارعة ، قال الله تعالى : { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } ومنه قولهم : العبد يقرع بالعصا ، ومنه المقرعة وقوارع القرآن وقرع الباب ، وتقارعوا تضاربوا بالسيوف ، واتفقوا على أن القارعة اسم من أسماء القيامة ، واختلفوا في لمية هذه التسمية على وجوه ( أحدها ) : أن سبب ذلك هو الصيحة التي تموت منها الخلائق ، لأن في الصيحة الأولى تذهب العقول ، قال تعالى : { فصعق من في السموات ومن في الأرض } وفي الثانية تموت الخلائق سوى إسرافيل ، ثم يميته الله ثم يحييه ، فينفخ الثالثة فيقومون . وروي أن الصور له ثقب على عدد الأموات لكل واحد ثقبة معلومة ، فيحيي الله كل جسد بتلك النفخة الواصلة إليه من تلك الثقبة المعينة ، والذي يؤكد هذا الوجه قوله تعالى : { ما ينظرون إلا صيحة واحدة } { فإنما هي زجرة واحدة } ( وثانيها ) : أن الأجرام العلوية والسفلية يصطكان اصطكاكا شديدا عند تخريب العالم ، فبسبب تلك القرعة سمي يوم القيامة بالقارعة ( وثالثها ) : أن القارعة هي التي تقرع الناس بالأهوال والإفزاع ، وذلك في السموات بالانشقاق والانفطار ، وفي الشمس والقمر بالتكور ، وفي الكواكب بالانتثار ، وفي الجبال بالدك والنسف ، وفي الأرض بالطي والتبديل ، وهو قول الكلبي ( ورابعها ) : أنها تقرع أعداء الله بالعذاب والخزي والنكال ، وهو قول مقاتل ، قال بعض المحققين وهذا أولى من قول الكلبي لقوله تعالى : { وهم من فزع يومئذ آمنون } .

المسألة الثانية : في إعراب قوله : { القارعة ما القارعة } وجوه ( أحدها ) : أنه تحذير وقد جاء التحذير بالرفع والنصب تقول : الأسد الأسد ، فيجوز الرفع والنصب ( وثانيها ) : وفيه إضمار أي ستأتيكم القارعة على ما أخبرت عنه في قوله : { إذا بعثر ما في القبور }

( وثالثها ) : رفع بالابتداء وخبره : { ما القارعة } وعلى قول قطرب الخبر . { وما أدراك ما القارعة } فإن قيل : إذا أخبرت عن شيء بشيء فلابد وأن تستفيد منه علما زائدا ، وقوله : { وما أدراك } يفيد كونه جاهلا به فكيف يعقل أن يكون هذا خبرا ؟ قلنا : قد حصل لنا بهذا الخبر علم زائد ، لأنا كنا نظن أنها قارعة كسائر القوارع ، فبهذا التجهيل علمنا أنها قارعة فاقت القوارع في الهول والشدة .