مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ وَٱسۡتَغۡفِرِي لِذَنۢبِكِۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلۡخَاطِـِٔينَ} (29)

قوله تعالى { يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين }

واعلم أنه لما ظهر للقوم براءة يوسف عليه السلام عن ذلك الفعل المنكر حكى تعالى عنه أنه قال : { يوسف أعرض عن هذا } فقيل : إن هذا من قول العزيز ، وقيل : إنه من قول الشاهد ، ومعناه : أعرض عن ذكر هذه الواقعة حتى لا ينتشر خبرها ولا يحصل العار العظيم بسببها ، وكما أمر يوسف بكتمان هذه الواقعة أمر المرأة بالاستغفار فقال : { واستغفري لذنبك } وظاهر ذلك طلب المغفرة ، ويحتمل أن يكون المراد من الزوج ويكون معنى المغفرة العفو والصفح ، وعلى هذا التقدير فالأقرب أن قائل هذا القول هو الشاهد ، ويحتمل أن يكون المراد بالاستغفار من الله ، لأن أولئك الأقوام كانوا يثبتون الصانع ، إلا أنهم مع ذلك كانوا يعبدون الأوثان بدليل أن يوسف عليه السلام قال : { متفرقون خير أم الله الواحد القهار } وعلى هذا التقدير : فيجوز أن يكون القائل هو الزوج . وقوله : { إنك كنت من الخاطئين } نسبة لها إلى أنها كانت كثيرة الخطأ فيما تقدم ، وهذا أحد ما يدل على أن الزوج عرف في أول الأمر أن الذنب للمرأة لا ليوسف ، لأنه كان يعرف عنها إقدامها على ما لا ينبغي . وقال أبو بكر الأصم : إن ذلك لزوج كان قليل الغيرة فاكتفى منها بالاستغفار . قال صاحب «الكشاف » : وإنما قال من الخاطئين بلفظ التذكير ، تغليبا للذكور على الإناث ، ويحتمل أن يقال : المراد إنك من نسل الخاطئين ، فمن ذلك النسل سرى هذا العرق الخبيث فيك . والله أعلم .