الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ وَٱسۡتَغۡفِرِي لِذَنۢبِكِۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلۡخَاطِـِٔينَ} (29)

قوله تعالى : { يُوسُفُ } منادى محذوفٌ منه حرفُ النداء . قال الزمخشري : " لأنه منادَى قريبٌ مُفاطِن للحديث ، وفيه تقريبٌ له وتلطيف بمحلِّه " انتهى . وكلُّ منادى يجوز حَذْفُ حرفِ النداء منه إلا الجلالةَ المعظمة واسمَ الجنس غالباً والمستغاثَ والمندوبَ واسمَ الإِشارة عند البصريين والمضمَر إذا نُودي .

والجمهور على ضمِّ فاء " يوسف " لكونه مفرداً معرفة . و قرأ الأعمش بفتحها . وقيل : لم تَثْبُتْ هذه القراءةُ عنه ، وعلى تقدير ثبوتها فقال أبو البقاء فيها وجهين ، أحدهما : أن يكون أخرجه على أصل المنادى كما جاء في الشعر :

2767 . . . . . . . . . . . . . . . . . *** يا عَدِيَّاً لقد وَقَتْكَ الأوَاقي

يريد بأصل المنادى أنه مفعولٌ به فَحَقُّه النصبُ كالبيت الذي أنشده ، واتفق أن يوسُفَ لا يَنْصرف فَفَتْحَتُه فتحةُ إعراب . والثاني وجعله الأَشْبَه : أن يكونَ وقف على الكلمة ثم وَصَل وأَجْرى الوصلَ مُجْرى الوقف ، فألقى حركة الهمزة على الفاء وحَذَفَها فصار اللفظ بها " يوسُفَ اعْرض " وهذا كما حُكِي " اللَّهَ اكبرَ اشْهدَ الاَّ " بالوصل والفتح . قلت : يعني بالفتح في الجلالة ، وفي أكبر ، وفي اشهد ، وذلك أنه قدَّر الوقفَ على كل كلمة مِنْ هذه الكلم ، وألقى حركة الهمزة من كلٍ من الكلمِ الثلاثِ على الساكن قبله ، وأجرى الوصلَ مُجرى الوقف في ذلك ، والذي حَكَوه الناس إنما هو في " أكبر " خاصة لأنها مَظِنَّةُ الوقف ، وقد تقدَّم ذلك في أول آل عمران .

وقرىء " يوسُفُ أَعْرَضَ " بضم الفاء و " أعرض " فعلاً ماضياً ، وتخريجُها أن يكون " يوسف " مبتدأً ، و " أَعْرض " جملة مِنْ فعل وفاعل خبره . قال أبو البقاء : " وفيه ضعف لقوله " واستغفِري " ، وكان الأشبهُ أن يكون بالفاء : فاستغفري " .