مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ} (49)

وقوله : { ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس } قال المفسرون السبعة المتقدمة سنو الخصب وكثرة النعم والسبعة الثانية سنو القحط والقلة وهي معلومة من الرؤيا ، وأما حال هذه السنة فما حصل في ذلك المنام شيء يدل عليه بل حصل ذلك من الوحي فكأنه عليه السلام ذكر أنه يحصل بعد السبعة المخصبة ، والسبعة المجدبة سنة مباركة كثيرة الخير والنعم ، وعن قتادة زاده الله علم سنة .

فإن قيل : لما كانت العجاف سبعا دل ذلك على أن السنين المجدبة لا تزيد على هذا العدد ، ومن المعلوم أن الحاصل بعد انقضاء القحط هو الخصب وكان هذا أيضا من مدلولات المنام ، فلم قلتم إنه حصل بالوحي والإلهام ؟

قلنا : هب أن تبدل القحط بالخصب معلوم من المنام ، أما تفصيل الحال فيه ، وهو قوله : { فيه يغاث الناس وفيه يعصرون } لا يعلم إلا بالوحي ، قال ابن السكيت يقال : غاث الله البلاد يغيثها غيثا إذا أنزل فيها الغيث وقد غيثت الأرض تغاث ، وقوله : { يغاث الناس } معناه يمطرون ، ويجوز أن يكون من قولهم : أغاثه الله إذا أنقذه من كرب أو غم ، ومعناه ينقذ الناس فيه من كرب الجدب ، وقوله : { وفيه يعصرون } أي يعصرون السمسم دهنا والعنب خمرا والزيتون زيتا ، وهذا يدل على ذهاب الجدب وحصول الخصب والخير ، وقيل : يحلبون الضروع ، وقرئ { يعصرون } من عصره إذا نجاه ، وقيل : معناه يمطرون من أعصرت السحابة إذا عصرت بالمطر ، ومنه قوله : { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا } .