مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{تَٱللَّهِ لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (63)

ثم بين تعالى أن مثل هذا الصنع الذي يصدر من مشركي قريش قد صدر من سائر الأمم السابقين في حق الأنبياء المتقدمين عليهم السلام ، فقال : { تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم } وهذا يجري مجرى التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم . قالت المعتزلة : الآية تدل على فساد قول المجبرة من وجوه : الأول : أنه إذا كان خالق أعمالهم هو الله تعالى ، فلا فائدة في التزيين . والثاني : أن ذلك التزيين لما كان بخلق الله تعالى لم يجز ذم الشيطان بسببه . والثالث : أن التزيين هو الذي يدعو الإنسان إلى الفعل ، وإذا كان حصول الفعل فيه بخلق الله تعالى كان ضروريا فلم يكن التزيين داعيا . والرابع : أن على قولهم ، الخالق لذلك العمل ، أجدر أن يكون وليا لهم من الداعي إليه . والخامس : أنه تعالى أضاف التزيين إلى الشيطان ولو كان ذلك المزين هو الله تعالى لكانت إضافته إلى الشيطان كذبا .

وجوابه : إن كان مزين القبائح في أعين الكفار هو الشيطان ، فمزين تلك الوساوس في عين الشيطان إن كان شيطانا آخر لزم التسلسل . وإن كان هو الله تعالى فهو المطلوب .

ثم قال تعالى : { فهو وليهم اليوم } وفيه احتمالان : الأول : أن المراد منه كفار مكة وبقوله : { فهو وليهم اليوم } أي الشيطان ويتولى إغواءهم وصرفهم عنك ، كما فعل بكفار الأمم قبلك فيكون على هذا التقدير رجع عن أخبار الأمم الماضية إلى الأخبار عن كفار مكة . الثاني : أنه أراد باليوم يوم القيامة ، يقول فهو ولي أولئك الذين كفروا يزين لهم أعمالهم يوم القيامة ، وأطلق اسم اليوم على يوم القيامة لشهرة ذلك اليوم ، والمقصود من قوله : { فهو وليهم اليوم } هو أنه لا ولي لهم ذلك اليوم ولا ناصر ، وذلك أنهم إذا عاينوا العذاب وقد نزل بالشيطان كنزوله بهم ، ورأوا أنه لا مخلص له منه ، كما لا مخلص لهم منه ، جاز أن يوبخوا بأن يقال لهم : هذا وليكم اليوم على وجه السخرية .