مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ} (58)

ثم إنه تعالى ذكر أن الواحد من هؤلاء المشركين لا يرضى بالولد البنت لنفسه فما لا يرتضيه لنفسه كيف ينسبه لله تعالى فقال : { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : التبشير في عرف اللغة مختص بالخبر الذي يفيد السرور إلا أنه بحسب أصل اللغة عبارة عن الخبر الذي يؤثر في تغير بشرة الوجه ، ومعلوم أن السرور كما يوجب تغير البشرة فكذلك الحزن يوجبه . فوجب أن يكون لفظة التبشير حقيقة في القسمين ، ويتأكد هذا بقوله

{ فبشرهم بعذاب أليم } ومنهم من قال : المراد بالتبشير ههنا الإخبار ، والقول الأول أدخل في التحقيق .

أما قوله : { ظل وجهه مسودا } فالمعنى أنه يصير متغيرا تغير مغتم ، ويقال لمن لقي مكروها قد اسود وجهه غما وحزنا ، وأقول إنما جعل اسوداد الوجه كناية عن الغم ، وذلك لأن الإنسان إذا قوي فرحه انشرح صدره وانبسط روح قلبه من داخل القلب ، ووصل إلى الأطراف ، ولا سيما إلى الوجه لما بينهما من التعلق الشديد ، وإذا وصل الروح إلى ظاهر الوجه أشرق الوجه وتلألأ واستنار ، وأما إذا قوي غم الإنسان احتقن الروح في باطن القلب ولم يبق منه أثر قوي في ظاهر الوجه ، فلا جرم يربد الوجه ويصفر ويسود ويظهر فيه أثر الأرضية والكثافة ، فثبت أن من لوازم الفرح استنارة الوجه وإشراقه ، ومن لوازم الغم كمودة الوجه وغبرته وسواده ، فلهذا السبب جعل بياض الوجه إشراقه كناية عن الفرح وغبرته كمودته وسواده كناية عن الغم والحزن والكراهية ، ولهذا المعنى قال : { ظل وجهه مسودا وهو كظيم } أي ممتلئ غما وحزنا .