النوع الثالث : من الأقاويل الفاسدة التي كان يذكرها الكفار وحكاها الله تعالى عنهم ، قوله : { ويجعلون لله ما يكرهون } .
واعلم أن المراد من قوله : { ويجعلون } أي البنات التي يكرهونها لأنفسهم ، ومعنى قوله : { يجعلون } يصفون الله بذلك ويحكمون به له كقوله جعلت زيدا على الناس أي حكمت بهذا الحكم وذكرنا معنى الجعل عند قوله : { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة } .
ثم قال تعالى : { وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى } قال الفراء والزجاج : موضع « أن » نصب لأن قوله : { أن لهم الحسنى } بدل من الكذب ، وتقدير الكلام وتصف ألسنتهم أن لهم الحسنى . وفي تفسير { الحسنى } ههنا قولان : الأول : المراد منه البنون ، يعني أنهم قالوا لله البنات ولنا البنون . والثاني : أنهم مع قولهم بإثبات البنات لله تعالى ، يصفون أنفسهم بأنهم فازوا برضوان الله تعالى بسبب هذا القول ، وأنهم على الدين الحق والمذهب الحسن . الثالث : أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة والثواب من الله تعالى .
فإن قيل : كيف يحكمون بذلك وهم كانوا منكرين للقيامة ؟
قلنا : كلهم ما كانوا منكرين للقيامة ، فقد قيل : إنه كان في العرب جمع يقرون بالبعث والقيامة ، ولذلك فإنهم كانوا يربطون البعير النفيس على قبر الميت ويتركونه إلى أن يموت ويقولون : إن ذلك الميت إذا حشر فإنه يحشر معه مركوبه ، وأيضا فبتقدير أنهم كانوا منكرين للقيامة فلعلهم قالوا : إن كان محمد صادقا في قوله بالبعث والنشور فإنه يحصل لنا الجنة والثواب بسبب هذا الدين الحق الذي نحن عليه ، ومن الناس من قال : الأولى أن يحمل { الحسنى } على هذا الوجه بدليل أنه تعالى قال بعده : { لا جرم أن لهم النار } فرد عليهم قولهم وأثبت لهم النار ، فدل هذا على أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة . قال الزجاج : لا رد لقولهم ، والمعنى ليس الأمر كما وصفوا جرم فعلهم أي كسب ذلك القول لهم النار ، فعلى هذا لفظ « أن » في محل النصب بوقوع الكسب عليه . وقال قطرب ( أن ) في موضع رفع ، والمعنى : وجب أن لهم النار وكيف كان الإعراب فالمعنى هو أنه يحق لهم النار ويجب ويثبت . وقوله : { وأنهم مفرطون } قرأ نافع وقتيبة عن الكسائي : { مفرطون } بكسر الراء ، والباقون : { مفرطون } بفتح الراء . أما قراءة نافع فقال الفراء : المعنى أنهم كانوا مفرطين على أنفسهم في الذنوب ، وقيل : أفرطوا في الافتراء على الله تعالى ، وقال أبو علي الفارسي : كأنه من أفرط ، أي صار ذا فرط مثل أجرب ، أي صار ذا جرب والمعنى : أنهم ذوو فرط إلى النار كأنهم قد أرسلوا من يهيئ لهم مواضع فيها . وأما قراءة قوله : { مفرطون } بفتح الراء ففيه قولان :
القول الأول : المعنى : أنهم متروكون في النار . قال الكسائي : يقال ما أفرطت من القوم أحدا ، أي ما تركت . وقال الفراء : تقول العرب أفرطت منهم ناسا ، أي خلفتهم وأنسيتهم .
والقول الثاني : { مفرطون } أي معجلون . قال الواحدي رحمه الله : وهو الاختيار ووجهه ما قال أبو زيد وغيره : فرط الرجل أصحابه يفرطهم فرطا وفروطا إذا تقدمهم إلى الماء ليصلح الدلاء والأرسان ، وأفرط القوم الفارط ، وفرطوه إذا قدموه فمعنى قوله : { مفرطون } على هذا التقدير : كأنهم قدموا إلى النار فهم فيها فرط للذين يدخلون بعدهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.