مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةٗ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦٓ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيۡءٍ عَٰلِمِينَ} (81)

الإنعام الأول : قوله تعالى : { ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره } أي جعلناها طائعة منقادة له بمعنى أنه إن أرادها عاصفة كانت عاصفة وإن أرادها لينة كانت لينة والله تعالى مسخرها في الحالتين ، فإن قيل : العاصف الشديدة الهبوب ، وقد وصفها الله تعالى بالرخاوة في قوله : { رخاء حيث أصاب } فكيف يكون الجمع بينهما . والجواب : من وجهين : الأول : أنها كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم ، فإذا مرت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة على ما قال : { غدوها شهر ورواحها شهر } وكانت جامعة بين الأمرين رخاء في نفسها وعاصفة في عملها مع طاعتها لسليمان عليه السلام وهبوبها على حسب ما يريد ويحكم آية إلى آية ومعجزة إلى معجزة . الثاني : أنها كانت في وقت رخاء وفي وقت عاصفا ، لأجل هبوبها على حكم إرادته .

المسألة السادسة : قرئ الريح والرياح بالرفع والنصب فيهما فالرفع على الابتداء والنصب للعطف على الجبال ، فإن قيل : قال في دواد : { وسخرنا مع داود الجبال } وقال في حق سليمان : { ولسليمان الريح } فذكره في حق داود عليه السلام بكلمة مع وفي حق سليمان عليه السلام باللام وراعى هذا الترتيب أيضا في قوله : { يا جبال أوبي معه والطير } وقال : { فسخرنا له الريح تجري بأمره } فما الفائدة في تخصيص داود عليه السلام بلفظ مع ، وسليمان باللام قلنا يحتمل أن الجبل لما اشتغل بالتسبيح حصل له نوع شرف ، فما أضيف إليه بلام التمليك ، أما الريح فلم يصدر عنه إلا ما يجري مجرى الخدمة ، فلا جرم أضيف إلى سليمان بلام التمليك ، وهذا إقناعي .

أما قوله : { إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين } أي إلى المضي إلى بيت المقدس ، قال الكلبي : كانت تسير في اصطخر إلى الشام يركب عليها سليمان وأصحابه .

أما قوله : { وكنا بكل شيء عالمين } أي لعلمنا بالأشياء صح منا أن ندبر هذا التدبير في رسلنا وفي خلقنا ، وأن نفعل هذه المعجزات القاهرة .