أما قوله تعالى : { فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون } ففيه مسائل :
المسألة الأولى : إن قيل لم قال : { فجعلهم جذاذا } وهذا جمع لا يليق إلا بالناس ، جوابه : من حيث اعتقدوا فيها أنها كالناس في أنها تعظم ويتقرب إليها ، ولعل كان فيهم من يظن أنها تضر وتنفع .
المسألة الثانية : قال صاحب «الكشاف » : جذاذا قطعا من الجذ وهو القطع ، وقرئ بالكسر والفتح وقرئ جذاذا جمع جذيذ وجذذا جمع جذة .
المسألة الثالثة : إن قيل ما معنى : { إلا كبيرا لهم } قلنا : يحتمل الكبير في الخلقة ويحتمل في التعظيم ويحتمل في الأمرين .
وأما قوله : { لعلهم إليه يرجعون } فيحتمل رجوعهم إلى إبراهيم عليه السلام ، ويحتمل رجوعهم إلى الكبير . أما الأول : فتقريره من وجهين : الأول : أن المعنى أنهم لعلهم يرجعون إلى مقالة إبراهيم ويعدلون عن الباطل . والثاني : أنه غلب على ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم فبكتهم بما أجاب به من قوله : { بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم } أما إذا قلنا : الضمير راجع إلى الكبير ففيه وجهان : الأول : أن المعنى لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات فيقولون ما لهؤلاء مكسورة وما لك صحيحا والفأس على عاتقك . وهذا قول الكلبي ، وإنما قال ذلك بناء على كثرة جهالاتهم فلعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تجيب وتتكلم . والثاني : أنه عليه السلام قال ذلك مع علمه أنهم لا يرجعون إليه استهزاء بهم ، وإن قياس حال من يسجد له ويؤهل للعبادة أن يرجع إليه في حل المشكلات .
المسألة الرابعة : إن قيل أولئك الأقوام إما أن يقال إنهم كانوا عقلاء أو ما كانوا عقلاء . فإن كانوا عقلاء وجب أن يكونوا عالمين بالضرورة أن تلك الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر ، فأي حاجة في إثبات ذلك إلى كسرها ؟ أقصى ما في الباب أن يقال : القوم كانوا يعظمونها كما يعظم الواحد منا المصحف والمسجد والمحراب ، وكسرها لا يقدح في كونها معظمة من هذا الوجه . وإن قلنا : إنهم ما كانوا عقلاء وجب أن لا تحسن المناظرة معهم ولا بعثة الرسل إليهم . الجواب : أنهم كانوا عقلاء وكانوا عالمين بالضرورة أنها جمادات ولكن لعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تماثيل الكواكب وأنها طلسمات موضوعة بحيث أن كل من عبدها انتفع بها وكل من استخف بها ناله منها ضرر شديد ، ثم إن إبراهيم عليه السلام كسرها مع أنه ما ناله منها ألبتة ضرر فكان فعله دالا على فساد مذهبهم من هذا الوجه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.