مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ وَإِن كُنَّا لَمُبۡتَلِينَ} (30)

ثم بين سبحانه أن فيما ذكره من قصة نوح وقومه لآيات ودلالات وعبرا في الدعاء إلى الإيمان والزجر عن الكفر فإن إظهار تلك المياه العظيمة ثم الإذهاب بها لا يقدر عليه إلا القادر على كل المقدورات ، وظهور تلك الواقعة على وفق قول نوح عليه السلام يدل على المعجز العظيم وإفناء الكفار وبقاء الأرض لأهل الدين والطاعة من أعظم أنواع العبر .

أما قوله : { وإن كنا لمبتلين } فيمكن أن يكون المراد ، وإن كنا لمبتلين فيما قبل ، ويحتمل أن يكون وإن كنا لمبتلين فيما بعد ، وهذا هو الأقرب لأنه كالحقيقة في الاستقبال ، وإذا حمل على ذلك احتمل وجوها . أحدها : أن يكون المراد المكلفين في المستقبل أي فيجب فيمن كلفناه أن يعتبر بهذا الذي ذكرناه . وثانيها : أن يكون المراد لمعاقبين لمن سلك في تكذيب الأنبياء مثل طريقة قوم نوح . وثالثها : أن يكون المراد كما نعاقب من كذب بالغرق وغيره فقد نمتحن بالغرق من لم يكذب على وجه المصلحة لا على وجه التعذيب ، لكي لا يقدر أن كل الغرق يجري على وجه واحد .