مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡعَٰلِمِينَ} (22)

ثم قال تعالى : { ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين }

لما بين دلائل الأنفس ذكر دلائل الآفاق وأظهرها خلق السماوات والأرض ، فإن بعض الكفار يقول في خلق البشر وغيره من المركبات إنه بسبب ما في العناصر من الكيفيات وما في السماوات من الحركات وما فيها من الاتصالات فإذا قيل له فالسماء والأرض لم تكن لامتزاج العناصر واتصالات الكواكب فلا يجد بدا من أن يقول ذلك بقدرة الله وإرادته ثم لما أشار إلى دلائل الأنفس والآفاق ذكر ما هو من صفات الأنفس بالاختلاف الذي بين ألوان الإنسان فإن واحدا منهم مع كثرة عددهم وصغر حجم خدودهم وقدودهم لا يشتبه بغيره والسماوات مع كبرها وقلة عددها مشتبهات في الصورة والثاني : اختلاف كلامهم فإن عربيين هما أخوان إذا تكلما بلغة واحدة يعرف أحدهما من الآخر حتى أن من يكون محجوبا عنهما لا يبصرهما يقول هذا صوت فلان وهذا صوت فلان الآخر وفيه حكمة بالغة وذلك لأن الإنسان يحتاج إلى التمييز بين الأشخاص ليعرف صاحب الحق من غيره والعدو من الصديق ليحترز قبل وصول العدو إليه ، وليقبل على الصديق قبل أن يفوته الإقبال عليه ، وذلك قد يكون بالبصر فخلق اختلاف الصور وقد يكون بالسمع فخلق اختلاف الأصوات ، وأما اللمس والشم والذوق فلا يفيد فائدة في معرفة العدو والصديق فلا يقع بها التمييز ، ومن الناس من قال المراد اختلاف اللغة كالعربية والفارسية والرومية وغيرها والأول أصح ، ثم قال تعالى : { لآيات للعالمين } لما كان خلق السماوات والأرض لم يحتمل الاحتمالات البعيدة التي يقولها أصحاب الطبائع واختلاف الألوان كذلك واختلاف الأصوات كذلك قال : { للعالمين } لعموم العلم بذلك .